سعود القصيبي

منذ سنوات طوال كان لي الشرف من خلال غرفة الشرقية ولجانها أن نقترح ونسعى لتطوير متحف أرامكو السعودية ليكون مركزا ثقافيا يضم آثار المنطقة بالإضافة إلى معرضهم عن البترول وعدد من المسارح ليشكل مركزا ثقافيا متكاملا مماثلا لما هو موجود بعدة مدن في العالم كما في العاصمة الأمريكية واشنطن. وقد فاق المسعى توقعاتنا ببناء ما يعرف اليوم بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء» الذي يعد أيقونة المنطقة من ضخامة الإنجاز.

إلا أنه بنفس الوقت وربما لبعد أرامكو عن محيطها المجتمعي أخذ الموضوع منحنى مختلفا. فبداية لم تسمح أرامكو لغير موظفيها بالدخول، كما لم تضم آثارا أو مسارح متاحة للمنطقة ومكتبة يمكن الانتفاع منها للباحثين والطلبة ولمحبي العلوم من خارجها. كما أن غالب فعالياتها خصصت بداية لموظفيها وما زالت بدعواتها ومعارضها رغم مظهر العمومية لتلك الدعوات.

ولا نلوم أرامكو فهي شركة بترولية لا يعلم سابقا بعد تغير هويتها عن مشاركاتها المجتمعية إلا أقل القليل. ولم تكن بأي يوم من الأيام جزءا من النسيج المجتمعي للمنطقة بفعالياته المختلفة. ولم يكن لها مساهمات فعالة إلا من خلال بعض التبرعات البسيطة هنا أو هناك التي ترد إليها بالطلب، أو من بعض الأعمال التي يعهد إليها وذات طبيعة مؤقتة. وحتى تلفزيون أرامكو السابق لزمنه بفعالياته وبرامجه المجتمعية أغلق منذ سنوات طوال. ونذكر هنا مركز تعلم القيادة للسيارات والذي كان يعادل ويستبدل برخصة من ولاية تكساس الأمريكية أغلق لغير الموظفين. كذلك ملعب الجولف وإسطبلات الخيول وملاعب البيسبول ودار السينما بعد أن كانت متاحة للعموم. أيضا مستشفى أرامكو والذي كان يستقبل بعض الحالات اقتصر لموظفي أرامكو وكذلك شواطئهم تلك هي الأخرى بعد أن كانت متاحة بعد إذن. كما كانت أبواب الحي السكني لأرامكو مفتوحة للزيارة من خارجها في العطلات والتي اعتدنا أن تنتشي بالزينة وبتلك الأنوار والمجسمات فنفرح بقصصها ونحن أطفال أغلقت للزوار تلك هي الأخرى وألغيت تلك الفعاليات. كما ألغت أرامكو أيضا دعمها لبناء المدارس ورعايتها كما كانت تفعل الأمر الذي كان أشبه بالصدمة لمن درس بتلك المدارس.

إن هذا النمط السلبي في العمل التطوعي الاجتماعي واضح بطريقته ونهجه كما أنه مستمر، فلا غرابة أن نجد اليوم «إثراء» ذاك الصرح الكبير أن يكون موجها لخدمة موظفي أرامكو مهما حاولنا من خلال نمط الشركة وتاريخها. فلا نكاد نسمع اليوم عن فعالية إن عملت بها إلا بعد انتهائها من خلال تويتر رغم أنه لا يفصلنا عن الظهران إلا رصيف وسور. ولا نكاد نسمع بأية مبادرة مجتمعية تنبعث منها إلا عن طلب. ولا نكاد نعرف عن فعاليات «إثراء» إلا من خلال موظفي أرامكو إن سمعنا.

وكان الطرح لأرامكو بالأساس من خلال الغرفة التجارية بعد أن أقنعنا إدارة أرامكو الصناعية بذلك أثناء مشاركتها لجان غرفة الشرقية بما أصبح لاحقا «إثراء» والتي بدورها أقنعت مسؤولي الشركة مع سعينا حينها لإقناع إدارة متحف أرامكو بأن يقوموا بطلب التوسعة لتضافر الجهود. وربما أن فشلنا بالأساس من قراءة أرامكو بعد أن تحولت إداراتها. فالشركات الكبرى العالمية تضع المسؤولية الاجتماعية في مصب أعمالها لخدمة بيئتها المحلية والتي يعمل بها موظفوها. وأرامكو الآن بعد أن أصبحت شركة مساهمة كأي شركة كبرى في العالم أصبح الطلب لها للخدمة الاجتماعية معقدا. فلم يأت ذلك في نظامها الأساسي ولم يسن نظام الشركات المساهمة من تخصيص جزء من الأرباح لتلك الشركات الكبرى للعمل الاجتماعي التطوعي الممنهج.

ولا تزال المنطقة تفتقر لمركز يضم متحفا إقليميا يضم آثار المنطقة ومسارح ودور سينما ومكتبة ولو إلكترونية لتتماشى مع العصر وربما يكون أداة للطلبة للدراسة عن بعد عالمي لما يحويه من مصادر بحثية. وقد يكون الوقت مناسبا لإعادة الطرح وخاصة بعد اعتماد السياحة والترفيه كجزء هام من برامج الرؤية لعام 2030. فدعونا نسعى لعالم أفضل وأن يتشرف المركز الثقافي باسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله وليكون المركز جزءا لا يتجزأ من مجتمعنا ومن معرفتنا وثقافة أبنائنا وليكون سببا في بهجتنا في أعيادنا وملتقى كبيرا للزائرين لمشاهدة تمكن حضارتنا القديم ومن رؤيتنا المستقبلية.

@SaudAlgosaibi