أكابر الأحمدي - جدة

حل مؤقت بسبب ظروف الجائحة ولا يمكن أن يستمر للأبد.. مسرحيون:

أكد عدد من المسرحيين أن تقديم العروض الافتراضية لا يُغني عن المسرح الواقعي، مشيرين إلى أن اللجوء لتقديم العروض «أون لاين» كان بسبب الإغلاق العالمي الذي فرضته الجائحة، وأنه لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، لأن ما يميز المسرح عن بقية الفنون هو التواصل مع الجمهور، حيث لا تكرار ولا مونتاج، وهو ما يفتقده الممثلون في العروض الافتراضية.

وأضافوا إنه رغم السلبيات العديدة لهذه العروض، فقد كانت لها جوانب إيجابية عديدة، أهمها: إنقاذ الحركة المسرحية من الركود خلال فترة الجائحة، واقترحوا أن تكون هناك بدائل للمسرح التقليدي المغلق، مثل «مسرح الشارع»، وهو مسرح مفتوح يسمح بالتباعد واتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة.

نشاط حياتي

قال رئيس مبادرة المسرح الوطني عبدالعزيز السماعيل: لم يستسلم المسرحيون عبر العالم للحصار وتعطل نشاطاتهم المسرحية بسبب الجائحة، بل حاولوا بكل الطرق استمرار حضورهم المسرحي، إلا أن طبيعة المسرح معاندة للانغلاق والفردانية، وأذكر هنا كلمة رئيس وزراء أيسلندا عندما كتبت كلمة اليوم العالمي للمسرح، فقالت إن السينما فن أكبر من الحياة، والتليفزيون أصغر منها، بينما المسرح بحجم الحياة تماما، لذلك يُعد النشاط من خلال المسرح نشاطًا اجتماعيًا حياتيًا جمعيًا وليس فرديًا، منذ فترة الإعداد والتدريبات على تنوعه واختلافات المهام فيه، حتى تنتهي تلك الجهود بتقديم العرض المسرحي للجمهور كفن حياتي حي واجتماعي.

اتصال مباشر

وأضاف: لذلك تبنى المسرحيون كسائر الفنون الأخرى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق جزء من التواصل فقط، كالمحاضرات والندوات واللقاءات.. إلخ، ولكنهم توقفوا أو تعطل عملهم عند القيام بأمور الإنتاج والعرض، إذ لابد من الاتصال المباشر مع فريق العمل ثم الجمهور؛ لتقديم العرض كنتاج حتمي لتلك الجهود، فهذه هي طبيعة المسرح وميزته العظمى طوال التاريخ وحتى الآن، ومحاولة تحقيق ذلك افتراضيًا كما اجتهد البعض في المملكة، وذلك حق مشروع ومقدر لهم، ولكنه لا يكفي لتحقيق المسرح بأبعاده الاجتماعية والفنية المختلفة التي تميزه عن بقية الفنون الأخرى، فلابد للمسرح أن يعود فعلًا حيًا ومباشرًا مع الجمهور، ليكون مسرحًا حقيقيًا، حتى إن طالت مدة الحجر وقوانين التجمعات والتباعد وحتى المنع من السفر، فلا بد لها من نهاية.

تجربة ناجحة

أما الممثل محمد جميل، فقد أشار إلى أنه خاض تجربة تقديم مسرحية افتراضية، وهي مسرحية «1441» تأليف أحمد يعقوب وإخراج أحمد الشايب، وأضاف: كانت التجربة في بداية الجائحة، وكان الهدف من التجربة هو إيجاد مسرح افتراضي يجعلنا قريبين من الجمهور دون انقطاع، من أهم أسباب نجاح أي تجربة افتراضية من وجهة نظري، أولًا: جودة النص المكتوب الذي يختلف اختلافًا كبيرًا عن النصوص التي تنفذ على الخشبة، وذلك في استخدام التقنية في النص نفسه، فالعمل ليس فيلمًا أو مسلسلًا تليفزيونيًا، فلا بد من إيجاد حالة مسرحية ونقلها عبر التقنية.

جذب الجمهور

وأضاف، ثانيًا: أداء الممثلين يختلف جدًا، فأنت هنا تتعامل مع كاميرا وشاشة، وكل شيء قريب من عين المشاهد وأصبعه، بحيث إذا وجد شيء لا يعجبه سيغير المحطة، لذلك فالمسأله حساسة، فإما أن تكسب الجمهور ويواصل المتابعة، أو أنه يصيبهم الملل وينسحبون.

ثالثا: الإيقاع السريع مطلوب جدًا ومهم لجذب الجمهور إلى المشاهدة، ولكن هذا النوع من المسرح يفقدنا نحن القائمين على العمل، متعة حضور الجمهور والتفاعل الحي، وهذه التجارب ليست إلا حبال وصل مع المسرح والفن؛ كي لا ننقطع عنها.

غياب قسري

فيما قال الكاتب المسرحي إبراهيم الحارثي: هناك غياب قسري فُرض على المسرحيين، لكنهم استطاعوا عبر فضاءات متعددة نشر عملهم وجهودهم وتجاربهم ومحاولاتهم المتعددة، التي تصب حتمًا في تطور الحالة المسرحية منذ بداية الجائحة، والجهات والمؤسسات والأفراد يعملون تجاه المسرح، ويطلقون برامجهم الافتراضية عن بُعد، ويقدمون كذلك عروضهم عن بُعد، وأشير هنا إلى تقرير الحالة الثقافية للمملكة، هذا التقرير الذي وثق تجارب المسرحيين السعوديين في هذه الجائحة، وتحدث عن إسهامات المخلصين تجاه فنهم، ووزارة الثقافة، عبر أذرعها المسرحية، تستهدف الشباب بين أعمار ١٨ و٣٥ عامًا، لتقدم لهم برنامجًا تدريبيًا مصممًا بشكل مختلف ومميز في العديد من الفنيات المسرحية، التي ستقدم بشكل مهني ومتخصص ومدروس.

بدائل الخشبة

أما المخرج والمؤلف المسرحي ياسر الحسن، فقال: كانت هناك تساؤلات كثيرة حول مستقبل المسرح في ظل الجائحة وغياب الجمهور عن الخشبة العتيقة، فظهرت محاولات كثيرة بنقل بعض الفرق المسرحية المعروفة أعمالها المسرحية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ضمنها موقع «يوتيوب»؛ لتتيح لمتابعي المسرح مشاهدة العروض المسرحية مجانًا، وذلك بهدف تسلية الناس في أيام الحجر الذي فُرض على مستوى العالم، ولكن ذلك كانت من ضمن الأعمال المسرحية التي تم تقديمها مسبقًا، ومن هنا جاءت فكرة المسرحيات الافتراضية التي تُنقل على الهواء مباشرة بحضور ممثلين غير موجودين مع بعضهم في مكان واحد، وكذلك الجمهور الذي يشاهدهم عن بُعد.

مسرحية وحيدة

وتابع: وكانت المسرحية الافتراضية الوحيدة، التي أقيمت بالمملكة في هذه الفترة، على حسب علمي، هي مسرحية «١٤٤١» التي قدمها أحمد يعقوب، وأحمد الشايب، ومرتجى الحميدي، ومحمد جميل عسيري، وهذه التجربة لم تتكرر ولا أظنها سترى النور من جديد، لا هي ولا غيرها، فليس هناك بديل للمسرح الواقعي مهما كانت نوعية التجارب المقاربة التي حدثت كنوع من التنفيس أو رفع المعنويات لا أكثر.

تغييرات جذرية

وتحدث الكاتب أحمد أبو دياب قائلًا: إشكالية توقف النشاط المسرحي بشكل شبه كامل، وإصابة الأوساط المسرحية عربيًا وعالميًا بشلل واضح منذ عامين بسبب جائحة كورونا، أزمة أظن أنها لن تمر قبل أن تخلف وراءها تغييرات جذرية تاريخية في المسرح، فالأمر يتجه إلى الحلول التقنية بشكل أقرب إلى كون ذلك هو الحل الوحيد، لأن حلول التباعد الاجتماعي وتقليل نسبة الحضور قد لا تجدي نفعًا في أوقات الذروة بالنسبة لانتشار الفيروس، وقد يحتاج المسرحيون إلى حلول أكثر جرأة تتعلق بإنتاج مسرحي يبث عبر منصات إلكترونية، وجمهور أكثر وعيًا ونضجًا، يحاول الوصول إلى روح المسرح -التي يلمسها على الخشبة-، من خلال شاشة تبث له العرض المسرحي لو تعاملنا مع المسرح بجدية كافية على أنه جزء من حياتنا، ولازمة من لوازم المعيشة، وليس مجرد ترفيه أو تسلية، وقتها ستبتكر الأدمغة حلولًا قادرة على تكييف الأمر ودفعه، وتسييره إلى الطريق المناسب في ظل الأزمة ربما يفقد المسرح رونقه المعتاد، ومذاقه الخاص في أن كل شيء فيه مباشر، حيث كل مفردات العرض تصنع على عين الجمهور، فلا تكرار ولا مونتاج، ولا تدخلات من هنا أو هناك.

تقليل المخاطرة

وتابع: لكن الاستغناء عن بعض الآليات المسرحية، التي قد تتعارض مع الظروف الحالية، أهون من هجر العملية المسرحية برمتها، وربما آن الأوان لتفعيل المسارح النوعية وغير التقليدية لتقليل حجم المخاطرة، كمسرح الشارع والمسارح الصحراوية وغيرها، حيث سيكون عرضًا مسرحيًا ينتمي لفئة مسرح الشارع، يسمح بالتباعد واتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، أقل خطورة من عرض في مسرح تقليدي في قاعة مغلقة على الجمهور والممثلين.