حسين السنونة - الدمام

«ينبع» ملهمة أدباء الرحلة عبر العصور.. الكاتب الرفاعي:

* كيف كانت تجربتك في البحث عن مصادر معلوماتك؟

- كانت مضنية وممتعة، مضنية لصعوبة الحصول على المصادر، التي كنت أشد الرحال إليها عبر معارض الكتاب في الرياض وجدة والقاهرة، إضافة إلى ما كنت أقوم بتصويره عبر مكتبات الجامعات الكبرى، مثل مكتبة جامعة الملك سعود بالرياض، ومكتبة جامعة أم القرى، ومكتبة جامعة الملك عبدالعزيز، فضلًا عن محاولات تصيد المعلومات في كل رحلة سفر في عمان ودبي وباريس وبيروت والقاهرة، وهي رحلة جمع امتدت لأكثر من عشر سنوات، وبعضها ترجمته من الألمانية والإنجليزية، وقد تصل كلفة ترجمة الصفحة الواحدة من الألمانية للعربية إلى أربعين ريالًا، وكانت المفارقة عندما ترجمت ما يقارب خمسين صفحة من كتاب «رحلة ما» لـ«تزن» الألماني، وعندما كان الكتاب في المطابع، وجدت كتاب «رحلة ما» لـ«تزن» مترجمًا حديثًا في معرض الكتاب بالرياض، فاشتريته بمائة وعشرين ريالًا فقط، بينما تكلفت ترجمته أكثر من 1600 ريال، ومع ذلك فإنها تجربة ممتعة لأن الوصول إلى الهدف متعة لا تعادلها متعة إلا متعة المعرفة، فما بالك وهما يجتمعان معًا؟

* هل تؤيد استحداث جهة أو مؤسسة تهتم بأدب الرحلة لتوفير المصادر والخرائط للمهتمين؟

- أؤيد ذلك بشدة، ويمكن تخصيص كرسي في إحدى الجامعات لأدب الرحلات، كما يمكن توجيه أطروحات الدراسات العليا لترجمة بعض الرحلات، وتقديمها كمشروعات بحثية لاستكمال الدرجة العلمية، ويمكن أيضًا إنشاء مركز لدراسات أدب الرحلة يرتبط بدارة الملك عبدالعزيز على سبيل المثال.

* ما أهمية ينبع في تاريخ الرحالة عبر التاريخ؟

- كما أن جدة بوابة مكة المكرمة، فإن ينبع بوابة المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام-، واستمدت أهميتها في مذكرات الرحالة من كونها محطة من أهم محطات قوافل الحجاج، فالقوافل البرية التي كانت تصل من مصر والشام، كانت تمر بينبع النخل لتتزود بالغذاء والماء الذي كان وافرًا لكثرة عيونها، وينبع البحر كانت ميناء مزدهرًا للسفن القادمة بالحجاج من مصر وغيرها، لذلك فقد كانت حاضرة في مدونات الرحالة.

* هل قدم لك مؤرخون مساعدة عن تاريخ ينبع؟

- نعم، فأبناء ينبع المهتمون بهذا الشأن يعملون بوعي عالٍ بأهمية تدوين وتوثيق تاريخ مدينتهم، لأنهم الأقدر على ذلك بحكم القرب والمعايشة، ولم يقصر معي أحد طلبت مساعدته بشكل مباشر، بيد أن كل مَنْ كتب عن تاريخ ينبع قدم المساعدة لي ولغيري من المشتغلين بالعلم والمعرفة من خلال ما دونه في إصداراته، لذلك وتثمينا لهذه الجهود، أهديت إصداري الأول «ينبع بعيون غربية» إلى روح الشيخ العلامة حمد الجاسر -رحمه الله-، الذي يُعد أول مَنْ ألّف عن ينبع في العصر الحديث، وإلى المؤرخ عبدالكريم الخطيب، الذي كتب عن ينبع عبر عدد من مؤلفاته ورواياته وقصصه القصيرة ومذكراته، وإلى المؤرخ صالح بن عبداللطيف السيد، الذي قدم أربعة أجزاء قيّمة في تاريخ ينبع، كما أهديت كتابي الثاني الصادر حديثا «ينبع بعيون عربية» إلى روح الكاتب خلف عاشور -رحمه الله-، الذي أصدر ثلاثة كتب مقالات حوت كثيرًا من ذكرياته عن ينبع، وإلى عواد الصبحي، الذي أصدر كتابًا عن تاريخ التعليم في ينبع، إضافة إلى جهده الجلي في الحفاظ على التراث الينبعي، وإلى الزميل عاطف قاضي، الذي أصدر مؤلفًا عن «قمة رضوى»، التي جمعت الملك عبدالعزيز بالملك فاروق -رحمهما الله- على أرض شرم ينبع في أحضان جبل رضوى الأشم.

* هل هناك مشاريع قادمة في أدب الرحالة؟

- نعم، فقد سبق وقدمت دراسة عن «درب زبيدة» في عيون الرحالة لـ«نادي الحدود»، كما قدمت دراسة عن «الليث في مدونات الرحلة» وقدمتها لصالون الليث الثقافي، كما فرغت أخيرًا -بحمد الله- من مشروع، وأعمل على مشروع آخر، وكلاهما في أدب الرحلة.

* في رأيك هل تدوين تاريخ الرحالة يحمي من التزوير والأخطاء ويحفظ التاريخ للأجيال؟

- مدونات الرحالة مصدر مهم لا خلاف في ذلك، لكنها تبقى كأي مصدر بحاجة إلى الاستقراء والتمحيص والتدقيق والمقاربة مع المشاهدات المماثلة، ولئن كان بعض الرحالة يعتمد في كتاباته على مراجع سابقة واطلاع جلي على تاريخ المكان، فتوجد كتابات تعتمد على الانطباعات والقناعات والآراء الشخصية، التي تتفاوت من رحالة إلى آخر، حسب خبراته وحظه من التعليم ووعيه ودرجة تقلب مزاجه النفسي، والوقت الذي قضاه في المكان الموصوف، وغير ذلك من أمور تنعكس على ما يدونه.

* ماذا تقول لمَنْ يعمل في أدب الرحالة والتدوين؟

- أقول له إن «أدب الرحلة» عظيم؛ لاشتماله على شتى أجناس الأدب، فللشعر مكانه وحضوره، وقد تنظم بعض الرحلات كاملة كأرجوزة أو قصيدة مطولة، وللسرد بمختلف أشكاله وصوره حضوره كذلك، فقد تجد رحلة هي أقرب ما تكون للسيرة وبعضها ينسج كسيرة روائية، وبعضها يتضمن فن الرسائل من خلال نصوص الرسائل، التي يرسلها لأحد أفراد أسرته أو لأصدقائه، وبعضها أشبه بقصص قصيرة متلاحقة، وبعضها أقرب في فصوله للمقالات الأدبية المطولة، هذا على المستوى الأدبي، فضلًا عن قيمته الجغرافية والتاريخية والاجتماعية.

أكد الكاتب د. سعد الرفاعي أهمية «أدب الرحلات» في حماية التاريخ من التزوير والأخطاء وحفظه للأجيال القادمة، لافتا إلى أهمية ينبع في هذا اللون الأدبي، لأنها بوابة المدينة المنورة، ووردت كثيرا في مذكرات الرحالة؛ كونها محطة من أهم محطات قوافل الحجاج، فالقوافل البرية التي كانت تصل من مصر والشام، كانت تمر بينبع النخل لتتزود بالغذاء والماء، كما كانت ينبع البحر ميناء مزدهرا للسفن القادمة بالحجاج من مصر وغيرها، لذلك فقد كانت حاضرة في مدونات الرحالة، ولذلك فقد أصدر كتابين عن «ينبع»، الأول «ينبع بعيون غربية» عام 1440هـ، واشتمل على مشاهدات 17 رحالا غربيا مروا على ينبع، والثاني «ينبع بعيون عربية»، واشتمل على مشاهدات أكثر من 50 رحالا عربيا ومسلما، وما زالت لديه مشاريع كتب أخرى في المستقبل.