د. شلاش الضبعان

ذكر ابن منظور في لسان العرب أن: أبا براقش طائر صغير أعلى ريشه أغبرُ وأوسطه أحمرُ وأسفله أسودُ، فإذا اهتاج انتفش ريشه وتغيّرت ألوانه ويُوصف به الرَّجل المتلوِّن، يقال للمُتَلَوِّنِ من الناس: أبو بَراقِشَ، وبراقش التي جنت على أهلها اسم كلبة لقومٍ من العرب أُغيرَ عليهم في بعضِ الأيّام، فهَربوا وتبعتهم بَراقشُ فرجع الذين أغاروا خائبين؛ فسمعت براقش وقع حوافر الخيل، فنبحت فاستدلّوا على موضع نِباحها، فعَطفوا عليهم واستباحوهم، فذهبت مثلاً وقالوا: على أهلها تجني بَراقش، قال حمزة بن بيض:

لمْ تكُنْ عن جنايةٍ لحِقَتْني... لا يَساري ولا يَميني جَنتْني

بلْ جَناها أخٌ عليَّ كريمٌ... وعلى أهلها بَراقِشُ تَجْني

كما في قصة المثل، فالكلبة براقش ليست خبيثة ولا قاصدة الإضرار بقومها، ولكن نباحها غير المقصود دمر قومها الذين أكرموها وآووها، ولذلك يجب التنبه لكل براقش قبل أن تأتي بالويلات حتى لو ادعت حسن النية. ومع الانفتاح الإعلامي لم تعد براقش كلبة، بل أصبح لها تواجد في عالم البشر، وعلى مستوى الجنسين، فأصبح «البراقشي» أو «البراقشية» يستسهل الكلام على قنوات الفضاء أو في مواقع التواصل، فيقول ما لا يليق، ويقع ويوقع في الكوارث، وبعد ذلك يبدأ البحث عن رأب الصدع، ولا شك أن البحث عن الحلول بعد وقوع الكارثة ليس كما هو قبلها، وكما قال الأول: رب كلمة ملكتها، فلما قلتها ملكتني. نحتاج حتى تنجو المجتمعات من نباح براقش إلى ثلاثة: تعظيم الخوف من الله، والتربية المسبقة، والمحاسبة النظامية. فمَنْ خاف الله علم أنه محاسب عما يقوله، وفي الحديث الشريف عندما سأل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، ختم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وصيته بقوله: «ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله؟» فقال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: «كف عليك هذا»، قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم»، ومَنْ تلقى تربية مميزة في أسرة تحافظ على اسمها لن ينبح لأنه ملك ما يردعه قبل وبعد، وإذا فُعّلت المحاسبة توقف النباح لأن البعض لا يسكته: عيب! أو خوف من الله! أو حتى سامحتك! لا بد من وضع الخطط الاستباقية لنباح براقش وإخوانها وأخواتها من أجل المجتمعات.

@shlash2020