محمد الحرز

لم يبق في الوجدان العربي بعدما فقد العرب الكثير من تماسكهم وتضامنهم - إذا اعتقدنا أن هناك تضامنا بينهم بالأصل- سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في تاريخهم المعاصر سوى قضية فلسطين.

فإذا كان هذا الوجدان يمثل لغة التعبير عن المشاعر الداخلية عند كل إنسان عربي، فإن فلسطين هي انعكاس لما تقوله المشاعر عن نفسها بما يحقق شبه إجماع عن موقع القضية كقيمة عليا في النفوس، لا يمكن أن تتزعزع من مكانها أو تحيد عن موقعها، رغم المحاولات العديدة التي جرت لإضعاف موقعها، أو محاولة تأخير الاهتمام بها في مرتبة أدنى، ورغم أيضا الهزائم التي مني بها العرب في سنة 1948، وسنة 1967، إلا أنها تعود أكثر تألقا ولمعانا في النفوس لحظة كل اعتداء وحشي صهيوني على أبنائها.

إنها بكل بساطة آخر ما تبقى عند العرب من قيمة جامعة، يعلنون من خلالها عن هويتهم العربية أمام الآخرين، فبالقدر الذي كانت فلسطين محفزا ودافعا لإبراز الهوية العربية عند جيل الأوائل من الخمسينات وما تلاها من السنين لأجل القيام بمحاولة استرداد الحقوق والأراضي بقوة السلاح، أصبحت لاحقا ثقلا كبيرا على كاهل هذه الهوية، بفعل الانتكاسات المتلاحقة، وبالتالي أصبحت عامل فرقة ونزاعات أكثر من كونها عامل توحد وقوة، أيلول الأسود «كما يسمى» بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية في السبعينات يشهد على ذلك، الحرب الأهلية اللبنانية وموقع منظمة التحرير وحركة فتح في هذا الصراع دليل آخر على ذلك.

ناهيك عن الخلافات البينية بين الأنظمة العربية ومصالحها وموقع القضية الفلسطينية من هذه الخلافات، يضاف إلى ذلك أيضا إخفاق المشاريع القومية والاشتراكية في نظرتها للصراع العربي - الإسرائيلي بحصره إجمالا فقط بالقوة العسكرية، مغفلين الجوانب الأخرى من التنمية البشرية في طريق بناء مؤسسات الدولة القوية.

ويمكن أن نضع في قلب هذه العوامل أيضا ضياع بوصلة الوحدة الفلسطينية وتشتت كلمتها بين فصائلها المقاومة المختلفة وعدم انسجام أيديولوجياتها فيما بينها وأمام الواقع.

لذلك لم تكن اتفاقيات السلام بين العرب وإسرائيل: اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978م، ولا معاهدة أوسلو عام 1993م، أو اتفاقية وادي عربة عام 1994م لتفضي إلى السلام الحقيقي غير المنقوص للشعب الفلسطيني، وبالتالي إلى الاستقرار والأمن كما هي الغاية من أهداف هذه الاتفاقيات (الكيان الصهيوني الاستيطاني لم يكن يوما ما جادا في الانخراط بعملية السلام، والسلام عنده نوع من التكتيك لا أقل ولا أكثر، منطق القوة مع العرب هو في قلب استراتيجيته وعقيدته الصلبة) بالقدر الذي أزاحت عن كاهل العرب ثقل القضية والاهتمام بها مبررين ذلك بالسلام أو لأقل متسترين خلف ستارة شفافة على مسرح الأحداث تسمى السلام.

انطلاقا من هذا المبرر تراجعت القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى، وأصبحنا نرى الآن بعد أحداث القدس وغزة الأخيرة هاشتاقات في السوشيال ميديا باسم فلسطين ليست قضيتي.

فما الذي يكمن خلف هذه الظاهرة من أسباب؟

أولا- لقد رأينا كيف استطاع الجيل الفلسطيني الحالي والعربي سواء في الداخل الفلسطيني أو في الشتات أن يقدم قضيته للرأي العام العالمي بطرق قانونية مقنعة، ويكشف من خلالها زيف الدولة التي تدعي الديمقراطية في المنطقة.

ثانيا- كما قلنا في بداية المقال إن اختبار الوجدان العربي ومشاعره عند كل مواجهة أو عدوان، يحقق نجاحا باهرا في توحيد المشاعر حول قضيته، والأهم أن هذا التوحد لا يرتكز لا تسييس أو تقاطع مصالح أو استثمار، إنه الشعور العميق بالهوية العربية التي تربط بينهم جميعا كشعوب.

ثالثا- وعليه أعتقد من أسبابها من ناحية التدخل الإيراني في مسار استثمار القضية الفلسطينية فيما يخدم مصالحه وبالخصوص في ملفه النووي، يضاف إلى ذلك أن مكانة القدس وقيمتها عند الإيرانيين لا تضاهي مكانة مراقد أئمة الشيعة عندهم. من ناحية أخرى التصريحات التي تصدر من قياديي حماس حمدان وإسماعيل هنية، الأول يشكر بشار الذي هجر وقتل سبعين بالمائة من شعبه والآخر يقول عن سليماني شهيد القدس!!.

mohmed_z@hotmail.com