د. عبدالوهاب القحطاني

يعتمد نجاح منظمة التجارة العالمية في تحقيق أهدافها على مدى التزامها بتطبيق الاتفاقيات للدول الأعضاء من غير تمييز لدولة على حساب دول أخرى مهما كان نفوذها السياسي والاقتصادي، لذلك يتحتم على المنظمة الأخذ في الاعتبار نمو الدول كافة كإحدى أولوياتها. ويشير تركيز الولايات المتحدة على المناقصات الحكومية في الدول الأعضاء إلى احتمال كبير لدخول شركاتها في هذا المجال الذي يبلغ الاستثمار فيه حوالي 2 تريليون دولار، وذلك عندما تطالب منظمة التجارة العالمية إدراج المناقصات الحكومية في جولاتها المستقبلية. ويدفعنا اهتمام الولايات المتحدة وبعض الدول الصناعية الأعضاء في المنظمة إلى ضرورة لفتح المجال لشركاتها في المناقصات الحكومية للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية إلى السؤال عن مستقبل الشركات التابعة للدول النامية والأقل نموا بعد دخول الشركات العملاقة أسواق الدول لمنافستها في المناقصات الحكومية. وستجد الشركات الوطنية في الدول النامية والأقل نمواً نفسها خارج سرب المنافسة لصغرها وقلة خبرتها لأنها في وضع لا يساعد على مواجهة المنافسة القوية في هذا المجال الاستثماري المهم.

ويتصف اتخاذ القرار في المنظمة في أغلب الأحيان بهيمنة الدول الصناعية المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان وبريطانيا وفرنسا وغيرها، لذلك يجب أن تتخذ هذه القرارات بشكل تشاوري عادل يخدم المصالح العامة للدول الأعضاء. إن الطريقة التي تحل بها النزاعات التجارية ليست على مستوى يخدم جميع الدول الأعضاء لكونها وضعت بضغوط ورغبات الدول الصناعية المتقدمة، لذلك يستوجب الأمر إعادة النظر فيها لتتحقق العدالة والمصالح العامة للاقتصاد العالمي. ويجب أن تنتهي الهيمنة في صنع القرار، الذي يحدد مسار الاقتصاد العالمي، وأن تعطى الدول الأعضاء النامية والأقل نموا الوقت الكافي لتصحيح وضعها الاقتصادي والهيكلي إذا كان الهدف بالفعل تصحيح مسار الاقتصاد العالمي من أجل نمو اقتصادات الدول المتقدمة والنامية والأقل نموا، التي تساهم في نمو الاقتصاد العالمي.

سوف تمنح مقايضة المصالح في التبادل التجاري دولة معينة القوة في مجال أو صناعة ما بينما تمنح دولة أخرى القوة في صناعة أخرى، وبهذا المبدأ العادل تستفيد كل دولة من مبدأ التكامل الاقتصادي. فالتنازلات التي تقدمها الدول الصناعية المتقدمة للدول النامية والأقل نموا تساعد على نمو الاقتصاد العالمي، وكذلك قد تكون هناك تنازلات في المقابل من الدول النامية والأقل نموا للدول الصناعية المتقدمة، لكن يجب أن يكون الهدف هو تعظيم كفاءة الاستفادة من الثروات العالمية وليس الاستبداد بها.

تواجه الشركات والمؤسسات الصغيرة في الدول النامية والأقل نموا من مشاكل عديدة وكبيرة في الموارد البشرية والتقنية ما يجعلها تقع تحت ضغوط الشركات القوية، التي تفاوض عنها في مجالات الإغراق. ولا تتوقف مشكلة الموارد البشرية والتقنية عند هذا الحد، بل تشمل المفاوضين الذين يمثلون حكومات دولهم، حيث يعد نقص الخبرة التفاوضية والقانونية ضعفاً إستراتيجياً ما يجعلها غير قادرة على المشاركة في الاجتماعات شبه الأسبوعية للمنظمة، التي تعقد في جنيف. وتعرف هذه الاجتماعات باجتماعات 40-50 (40-50 عضواً من كل دولة مشاركة).

المشكلة ذات جوانب متعددة ومعقدة ما يتطلب توافر فريق فني وقانوني متكامل لكل دولة ليساعدها على سلاسة وسرعة المفاوضات والاستفادة من عضويتها في المنظمة. إن توافر الخبرة الفنية والقانونية والإدارية بعدد متواضع من المفاوضين لا يعني بالضرورة قدرة الدول النامية والأقل نمواً على التفاوض بنجاح. وأيضاً توافر العدد الكافي (40-50 فرداً) في كل وفد مفاوض من غير توافر الخبرات القانونية والفنية لا يوفر للدولة المشاركة النجاح. إن تأثير هذه المشكلة واضح على ممثلي الدول، الذين يحضرون الاجتماعات الدورية للمنظمة عندما يقدمون إليها غير مستعدين، حيث يتصف حضورهم في معظم الأحيان بحضور المتفرجين.

وتواجه الدول النامية والدول الأقل نمواً مشكلة في الحصول على الموارد المالية والبشرية لحل النزاعات التجارية، فهذه الدول تفتقر إلى الخبرات القانونية، التي إن توافرت فإنها مكلفة، فالنظام التجاري لحل النزاعات لا يتناسب ولا يتفق مع حاجات الدول النامية والدول الأقل نموا، لذلك يجب غربلته لمواجهة التطورات والحاجات المتجددة للدول الأعضاء بعدالة. إن تنوع واختلاف ظروف وحاجات الدول الأعضاء النامية والأقل نمواً يجب أن يوضع في الاعتبار.

@dr_abdulwahhab