لا يشترط أن تكون عبقريا وفي نفس الوقت مشهورا. فقد ينساك الناس وتخفت عنك الأضواء، ثم يتذكروك بعد حين. وقد عاد اسمه للسطح في فترة التسعينيات من القرن الماضي، وفي زمننا هذا أطلق اسمه على سيارة كهربائية، إنه المهندس في تخصصين (الكهربائية/ الميكانيكية) والمخترع (نيكولا تيسلا) والذي حصل بعد ذلك على الدكتوراة في العلوم. وقد عاش في بداية القرن العشرين، وله أعمال مميزة جدا في مجال الكهرباء والاتصال اللاسلكي والأشعة السينية.
وكان البعض يطلق عليه لقب (العالم المجنون)، وقد قيل: إن بين العبقرية والجنون شعرة. وهذا يصح على كثير من العباقرة لأنهم دائما يأتون بالغرائب والعجائب، ولكن في نهاية المطاف ينتصرون باختراعات وإبداعات تذهل الآخرين.
ومن الأمثلة ولكن في مجال آخر الفيلسوف الألماني الشهير (إيمانويل كانت) والذي ألف كتابه الفلسفي المؤثر والعميق «نقد العقل الخالص» وقد أعطاه إلى أحد زملائه من دكاترة الجامعة لمراجعته ولإبداء ملاحظاته، ولكنه أعاده إليه بعد أسبوعين قائلا: لم أفهم منه شيئا! من أجل ذلك قال كانت: هذا الكتاب هو للقرن القادم (يعني لن يفهمه هذا الجيل) أي أنه قد سبق عصره. والكتاب ما زال يعتبر من أكثر الأعمال والمؤلفات تأثيرا في تاريخ الفلسفة الحديثة.
وبنفس طريقة التفكير قالوا عن المخترع الإيطالي غوليلمو ماركوني إنه (مجنون) فقد ادعى أنه يستطيع إرسال موجات كهرومغناطيسية بدون أسلاك لمسافات بعيدة (كان في زمنه ضربا من الجنون والهلوسة؟!) اليوم هو واقع وأمر معتاد ومُسلم به.
وبعد هذا الاستطراد المقصود! نعود إلى صاحبنا (تيسلا) لأن البعض يزعم أنه كان من المظلومين إعلاميا وتاريخيا حيث لم يأخذ حظا بالشهرة والعرفان التي حصل عليها أديسون. مع أنه كان صاحب خيال واسع، بل واختراعات مذهلة، ويكفي أن تعرف أنه كان من أنصار التيار الكهربائي المتردد (المتناوب) الذي نستخدمه اليوم في كل بيت ومصنع وشركة حيث كان أديسون يخالفه ويؤيد التيار المستمر (مثل: البطارية). وكان هذا الصراع يسمى في بداية القرن العشرين صراع التيارات (War of Currents) ولكن في الأخير انتصر تيسلا، فها نحن اليوم نستخدم التيار المتردد في منازلنا ومصانعنا وأغلب أجهزتنا وأدواتنا.
ومن الواضح أن العبقرية لا تعني الانتشار، فقد تكون ذكيا جدا ولكن لا تعرف كيف تسوق لفكرتك أو ربما لا تستطيع أن تحولها إلى منتج سهل الاستعمال ويتعلق الناس به.
والأمر الآخر أنه لا يشترط أن تقوم بنفسك بالتسويق لمخترعاتك وابتكاراتك فقد يكون غيرك أفضل منك في هذا المجال. والواقع أنه بتضافر الأدوار والجهود تستطيع أن تُخرج للعالم منتجا نافعا ورائجا. ويقال في الأمثال: إن نحلة واحدة لا تجني العسل. بمعنى صناعة الفريق وتضافر الجهود كمجموعة جزء من عملية الإبداع والتسويق.
العبقرية والأفكار الخلاقة ليست وليدة لحظة فقط، بل هي تأتي من تعدد وتنوع الأفكار، وبذل المحاولات والتجارب الكثيرة من أجل فرصة واحدة للإبداع. فالمسألة لا تأتي صدفة، بل هناك مقدمات طويلة من السهر والعناء، والتفكير المضني حتى تنضج الفكرة وتتبلور. وأبو الفلسفة الحديثة ديكارت جاءته فكرة كتابه (مقال في المنهج)، والذي أبدع فيه بخطواته الأربع عندما كان منعزلا في غرفة عن العالم فهبط عليه الإلهام ولكن بعد أيام وشهور من التفكير العميق ليخرج لنا مقولته المشهورة (أنا أفكر إذن أنا موجود). فالجهد الذهني يسبق الجهد البدني بمراحل، وهو يحتاج إلى صبر وروية. ويُذكر عن آينشتاين أنه قال: ليست الفكرة في أني فائق الذكاء، بل كل ما في الأمر أني أقضي وقتا أطول في حل المشاكل.
وأخيرا، لا تركض وراء الشهرة عمدا حتى لا تضمر العبقرية!
abdullaghannam@
وكان البعض يطلق عليه لقب (العالم المجنون)، وقد قيل: إن بين العبقرية والجنون شعرة. وهذا يصح على كثير من العباقرة لأنهم دائما يأتون بالغرائب والعجائب، ولكن في نهاية المطاف ينتصرون باختراعات وإبداعات تذهل الآخرين.
ومن الأمثلة ولكن في مجال آخر الفيلسوف الألماني الشهير (إيمانويل كانت) والذي ألف كتابه الفلسفي المؤثر والعميق «نقد العقل الخالص» وقد أعطاه إلى أحد زملائه من دكاترة الجامعة لمراجعته ولإبداء ملاحظاته، ولكنه أعاده إليه بعد أسبوعين قائلا: لم أفهم منه شيئا! من أجل ذلك قال كانت: هذا الكتاب هو للقرن القادم (يعني لن يفهمه هذا الجيل) أي أنه قد سبق عصره. والكتاب ما زال يعتبر من أكثر الأعمال والمؤلفات تأثيرا في تاريخ الفلسفة الحديثة.
وبنفس طريقة التفكير قالوا عن المخترع الإيطالي غوليلمو ماركوني إنه (مجنون) فقد ادعى أنه يستطيع إرسال موجات كهرومغناطيسية بدون أسلاك لمسافات بعيدة (كان في زمنه ضربا من الجنون والهلوسة؟!) اليوم هو واقع وأمر معتاد ومُسلم به.
وبعد هذا الاستطراد المقصود! نعود إلى صاحبنا (تيسلا) لأن البعض يزعم أنه كان من المظلومين إعلاميا وتاريخيا حيث لم يأخذ حظا بالشهرة والعرفان التي حصل عليها أديسون. مع أنه كان صاحب خيال واسع، بل واختراعات مذهلة، ويكفي أن تعرف أنه كان من أنصار التيار الكهربائي المتردد (المتناوب) الذي نستخدمه اليوم في كل بيت ومصنع وشركة حيث كان أديسون يخالفه ويؤيد التيار المستمر (مثل: البطارية). وكان هذا الصراع يسمى في بداية القرن العشرين صراع التيارات (War of Currents) ولكن في الأخير انتصر تيسلا، فها نحن اليوم نستخدم التيار المتردد في منازلنا ومصانعنا وأغلب أجهزتنا وأدواتنا.
ومن الواضح أن العبقرية لا تعني الانتشار، فقد تكون ذكيا جدا ولكن لا تعرف كيف تسوق لفكرتك أو ربما لا تستطيع أن تحولها إلى منتج سهل الاستعمال ويتعلق الناس به.
والأمر الآخر أنه لا يشترط أن تقوم بنفسك بالتسويق لمخترعاتك وابتكاراتك فقد يكون غيرك أفضل منك في هذا المجال. والواقع أنه بتضافر الأدوار والجهود تستطيع أن تُخرج للعالم منتجا نافعا ورائجا. ويقال في الأمثال: إن نحلة واحدة لا تجني العسل. بمعنى صناعة الفريق وتضافر الجهود كمجموعة جزء من عملية الإبداع والتسويق.
العبقرية والأفكار الخلاقة ليست وليدة لحظة فقط، بل هي تأتي من تعدد وتنوع الأفكار، وبذل المحاولات والتجارب الكثيرة من أجل فرصة واحدة للإبداع. فالمسألة لا تأتي صدفة، بل هناك مقدمات طويلة من السهر والعناء، والتفكير المضني حتى تنضج الفكرة وتتبلور. وأبو الفلسفة الحديثة ديكارت جاءته فكرة كتابه (مقال في المنهج)، والذي أبدع فيه بخطواته الأربع عندما كان منعزلا في غرفة عن العالم فهبط عليه الإلهام ولكن بعد أيام وشهور من التفكير العميق ليخرج لنا مقولته المشهورة (أنا أفكر إذن أنا موجود). فالجهد الذهني يسبق الجهد البدني بمراحل، وهو يحتاج إلى صبر وروية. ويُذكر عن آينشتاين أنه قال: ليست الفكرة في أني فائق الذكاء، بل كل ما في الأمر أني أقضي وقتا أطول في حل المشاكل.
وأخيرا، لا تركض وراء الشهرة عمدا حتى لا تضمر العبقرية!
abdullaghannam@