لمى الغلاييني

ليست هناك حاجة لوصف مفهوم الوحدة لأننا تعرفنا عليه جميعا في مرحلة من حياتنا، منذ طفولتك وانتقالك لمدرسة جديدة، وذلك اليوم الذي تغيّب فيه صديقك وقضيت الفسحة بدونه، أو تلك الأمسية التي قضيتها بمفردك، والحفلة التي جلست فيها بعيدا رغم ازدحام المكان، أو حين يهجرك شخص عزيز بعد علاقة وثيقة، فالشعور بالوحدة يمكن أن يكون مشكلة خطيرة بالنسبة لأولئك، الذين يمرون بها، حيث إنه يؤثر بالنسبة لكثير من الناس على نوعية حياتهم، ناهيك عن صحتهم الجسدية والعقلية، ولكن في الوقت نفسه قد تبزغ أفضل لحظاتنا حينما نكون وحيدين، حيث تخبرنا العزلة بشيء مهم عن أنفسنا ومكانتنا في العالم، فهناك دائما ثمن مدفوع مقابل الحب، والشعور بالوحدة جزء من هذا الثمن الباهظ، فأي شخص سيشعر بالفراغ والوحدة عندما يهجره الآخر، الذي طالما اهتم به وأعطاه الكثير من الحب، وحين يحاول البعض التذاكي بأن يجعل نفسه حصينا من خلال تجنب روابط وثيقة مع الآخرين، سيكون الثمن لذلك هو الشعور الزائد بالوحدة المخيفة، وإذا اعتبر البعض بأن الوحدة تفصله بطريقة هادفة عن الآخرين إلا أنها في الوقت ذاته ستفصله عن جوانب مهمة من معرفة ذاته، التي لا يمكن أن تتطور وتُصقل إلا من خلال علاقاتك بأشخاص آخرين، وهذا ما قصده الكاتب الفلسفي الفرنسي ستاندال حين كتب «كل شيء يمكن الحصول عليه في العزلة باستثناء الشخصية»، وأمور أخرى أكثر من مجرد الشخصية لا يمكن الحصول عليها عندما تكون وحيدا، وفي الأساس لا يمكنك أن تصبح إنسانا مع تواجدك في جو العزلة المنفرد، حيث إن صِلاتك وتجاربك مع الأشخاص الآخرين هي التي تشكل إنسانيتك ذاتها، وتغذي شجرة الإنسانية الكبرى، وربما يشعر الجميع بالوحدة من وقت لآخر، حيث إن المرء الذي لم يشعر بها بتاتا يعاني من نقص أو خلل، والسبب في ذلك بسيط وهو لأن البشر يحتاجون من نعومة أظافرهم الاتصال بالكبار الآخرين القادرين على تلبية احتياجاتهم، ويستمر ذلك الاحتياج مع نموهم رغم استحالة تلبيته في كل لحظات حياتهم، وأن تكون وحيدا ليس في جوهره إيجابيا ولا سلبيا، بل يعتمد على الكيفية التي ستكون فيها وحيدا، وقد احتفل الكاتب إيميل سيوران بعزلته قائلا: «في هذه اللحظة أنا وحيد ما الذي أريده أكثر؟، سعادة عالية لا وجود لها والاستماع للصمت وبهذا أهيم بوحدتي»، ونجد التوصيف السلبي لها عند الفيلسوف سارتر، حيث نجده يقول: «شعرت بعزلة مرعبة جعلتني أفكر في الانتحار، لكن ما أوقفني فكرة أن لن يتم تطوير أي شخص بموتي، وسأكون وحيدا في قبري أكثر مما سأكون عليه في حياتي»، ولهذا يدرك الآخرون الألم الداخلي في الشعور بالوحدة لكنهم رغم ذلك يعتقدون أن التجربة ضرورية لنمو الشخصية، ولدينا جميعا ازدواجية متأصلة تجذبنا نحو الآخرين لاحتياجنا لهم، وتدفعنا بعيدا لحماية الفراغ بين مساحتنا ومساحتهم، ولهذا نشأت مصطلحات مختلفة لوصف حالات متعددة لوجود الإنسان بمفرده، وتبين الفرق بين أن تكون وحيدا، وأن تكون منعزلا، وتراوح الطيف بين الاختيار الإيجابي والانسحاب الانهزامي، ولهذا ليست المشكلة الرئيسية التي يواجهها العصر اليوم هي في ازدياد الوحدة، بل في ندرة العزلة الواعية الإنتاجية، ولهذا يبقى التحدي الأهم حول المسؤولية الفردية، التي يتحملها كل منا لإدارة وحدتنا.

LamaAlghalayini@