عبدالله الغنام

الشهرة سلاح خطير وله عدة وجوه، منها المتهور، ومنها المتزن، ومنها المتحفظ، وكلها تقع تحت مسؤولية المشهور. والحقيقة أنها ليست غاية، بل يفترض أن تكون وسيلة لهدف يخدم الدين والوطن والمجتمع.

وتتضح مشاكل الشهرة عندما تكون هدفا بحد ذاتها وبأي وسيلة كانت وتلك هي المعضلة الكبرى، وعندئذ تصبح الوسائل كلها مباحة، وكل الخطوط يمكن تجاوزها من أجلها! ولذلك يُروى أن أعرابيا تبول (أعزكم الله) في بئر زمزم، فلما سُئل لماذا فعلت ذلك؟ قال: حتى يعرفني النّاس، فيقولون: هذا الذي بال في بئر زمزم! وهذا الحادثة قد تكون وقعت منذ زمن مضى لكنها تبين لنا لماذا يظهر من وقت إلى آخر مقطع فيديو أو رسالة أو تسجيل صوتي ترى فيها مخالفة للدين أو القانون أو عادة مجتمعية حسنة ومتأصلة، فيقوم فرد أو أفراد بتجاوز الخطوط الحمراء من أجل أُن يُعرف ويُشتهر!

والحقيقة أننا للأسف في بعض الأحيان نشارك في هذا الانتشار بقصد أو بدون قصد حيث ننقل للآخرين مقاطع أو رسائل ننبه منهم، ونحن في الواقع نقع في مصيدة الانتشار. والبعض يُعلق على كل وسم (هاشتاق) غريب أو مسيء أو تافه، وهو يحاول أن ينصح أو يوجه أو يوبخ، ولكنه أيضا يساعد على انتشاره، وصدق من قال: أميتوا الباطل بالسكوت عنه. واليوم نقول: أميتوا الباطل بعدم نشره أو إرساله أو حتى التعليق عليه.

ومن ناحية أخرى ليتذكر المشهور أن ما يقوم به سوف يبقى طويلا على النت، ويراه الكثيرون، وربما الملايين من الناس، ولن أقول لك: إنك محاسب بالدنيا بالقوانين، وفي الآخرة بميزان من مثقال ذرة. ولن أقول لك البيت المشهور (والذي قد يُهزك قبل كتابة أي شيء):‏ وما من كاتب إلا سيفنى... ويبقى الدهر ما كتبت يداه. فلا تكتـب بكفك غير شيء.. يسرك في القيامة أن تراه. فكل ما سبق يعرفه الكثير من المشاهير، ولكن سكرة الشهرة تذهب العقل! وواجبنا أن نذكر بعضنا البعض من وقت إلى آخر لأن الإنسان ينسى بطبعه. ولكني أريد أن أقول: إنه كلما كتبت رسالة أو صورت مقطعا أو سجلت صوتا أن تسأل نفسك هل سيسرك ذلك بعد أن تبلغ من العمر عتيا؟!

صحيح أننا كلنا نقع في الأخطاء، وقد تتغير أفكارنا وتتطور مع الوقت، ولكن هناك خطوطا واضحة في الدين والقانون والعرف المجتمعي لابد من العاقل أن يتريث، وأن يفكر كثيرا قبل تجاوزها. والمشهور يفترض منه أن يسأل ويستفسر ويستشير قبل أن يقدم على أي خطوات أو أعمال قد يندم عليها! وأعتقد أنه في زمننا هذا يوجد الكثير من القنوات والوسائل المتاحة للسؤال والاستفسار قبل النشر أو المشاركة.

ودعونا نوضح أن الشهرة ليست حياة وردية وحالمة كما يظنها بعض المراهقين! بل لها جوانب كثيرة أخرى نفسية خفية يعيشها المشهور بعيدا عن الأضواء. وهو في الغالب يحاول إظهار الحسن منها، بالإضافة إلى الضغوط الجسدية والمالية التي يواجهها. ولكن ستظل دوما الضغوط النفسية والعاطفية أشدها وطأ لأننا لا نراها إلا بعد وقوع الأزمة النفسية أو الاكتئاب أو غيرها من العلل. ويدل على تلك الجوانب المؤثرة والخفية ما قاله أبو حامد الغزالي -رحمه الله- في كتابه (المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال): «ثم تفكرت في نيتي في التدريس فإذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب (الجاه وانتشار الصيت)، فتيقنت أني على شفا جُرف هار».

الشهرة مسؤولية، وهي ليست لعبة أو نزهة، وقد تخدعك نشوتها فتقع في شراكها، فاعرف جيدا أين تضع قدمك!

abdullaghannam@