صالحة العسيري

ننزعج في أحيان كثيرة من الضجيج والأصوات والإزعاج أيا كان مصدره، وتجدنا نبحث عن لحظات من العزلة والصمت والاسترخاء بعيدا عن أجواء عصرنا المملوءة بالضجيج رغما عنا، نحاول جاهدين أن نأخذ من ساعات يومنا ولو دقائق نخلو بها مع أنفسنا، ونبتعد عن الضجيج، سواء داخل المنزل أم خارجه.

لكننا لم نسأل أنفسنا يوما ماذا لو اختفى ذلك الضجيج فجأة عندما لا تسمع سوى صوتك أنت؟

كم من شخص يتمنى لو كان مكاننا! يتمنى أن يتكلم مع أحد أو مع أي أحد! يتمنى أن يسمع صوت ضجيج السيارة قبل أن تنطلق في الشارع، يتمنى أن يسمع صوت ضحك الأطفال في الأزقة أو حتى عراكهم من أجل لعبة، أن يسمع صوت جرس الباب يرن فلا يهدأ حتى يفتح الباب، أن يسمع صوت المؤذن ينادي للصلاة. أن يسمع ويسمع.. أن يسمع صوت الحياة!!، فالحياة هي الحركة والضجيج بينما السكون والهدوء لا يكون إلا للأموات!

نعم الأموات، أتعلمون من هم؟.. إنهم بشر مثلنا يقفون خلف تلك القضبان في غياهب الظلمات، في سجون هي أقرب للمقابر لا بل في كثير من الأحيان تكون المقابر أرحم..

خلف تلك القضبان هناك وجع ومعاناة وجروح وآهات، خلف تلك القضبان حكايات وروايات تحمل تفاصيل مؤلمة ووجعا عميقا وهناك دموع تستنجد بالخروج والنداء الحزين وأعينهم تذرف من الدموع شعلة الألم والقهر، كم مظلوم خلف تلك القضبان، وكم شخص فاقد أسرته، وكم ابن يشتاق لأمه وأبيه، وكم شخص لم يعش شبابه، وكم أب لم يستمع إلى أصوات أبنائه، خلف تلك القضبان هناك جروح تخدش الروح، خلف تلك القضبان شاب الشعر وكساه البياض وهو يعد الأيام ليخرج من تلك القضبان إلى عالم الحياة والنور بعيدا عن الظلام، إننا على يقين بأنه سيأتي يوم وأخرج من تلك القضبان وأتحرر منها لكنني سوف أبقى مقيدا بداخلي، هناك أشياء انطفأت في داخلي، هل ممكن أن تعود وتضيء مرة أخرى!..

إنني أرى النور كل يوم من تلك النافذة الصغيرة وأرى شعاع الشمس لكني لم أرها فعلا عند شروقها، هنيئا لمن يرى ذلك كل يوم ليعلم أنها نعمة عظيمة، عندما أرى ذلك النور من تلك النافذة الصغيرة أرى هناك أملا في داخلي لعله اليوم صغير لكنه سوف يكبر بإذن الله.

قال تعالى: «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد» 7 سورة إبراهيم.

نحن لا ندرك نعما كثيرة في حياتنا، ولا ندركها حتى لبعض منها ظنا منا أنها ليست شيئا مميزا أو عجيبا أو ربما اعتبرناها نقمة في بعض الأحيان.. أن نتكلم مع شخص سواء تحبه أم لا هو نعمة من رب العباد، أن تحرك عضلة لسانك نعمة، أن تتحرك مشاعرك فرحا أو غضبا أو حزنا هو نعمة، نعم نعمة.. تخيل أن يأتي شخص ويسلب منك تلك الحرية وأصبحت مقيدا فالحرية نعمة أيضا.

لا تتعجب من ذلك: نعمة أنك حي، والنعمة الأجمل أن تكون حرا.. فالحرية تعني الحياة، والحياة لولا الحرية ما هي إلا موت بطيء!

من خلف القضبان المظلمة أحدثكم.

@Sa_Alaseri