سعود القصيبي

كأي بيئة بحرية في العالم، فهي تتأثر بعدة عوامل طبيعية كالأعاصير وحركة المد والجزر والزلازل البحرية كما مع الأمواج العاتية إلا أن من أشدها ما يأتي من صنع الإنسان. والبيئة البحرية في عمومها بيئة حساسة فإن تغيرت ظروفها وتأثرت أصبحت خالية تفتقر إلى مقومات الحياة. ومن أسباب تأثرها أن ما يغذي تلك الحياة البحرية هي الأعشاب البحرية والمناطق المرجانية، فإن خلت منها ماتت وأقفرت أماكنها. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم استدامة وقوام البيئة البحرية حين قال: «يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان». ولا يخرج اللؤلؤ إلا بمياه صافية ولا يعيش المرجان كأي من الكائنات في بيئة ملوثة. وقد حبا الله سبحانه وتعالى مياه الخليج العربي أن ذكرها بكتابه من تلك الآية، التي كان يستخرج منها ذاك اللؤلؤ النادر من مناطق الينابيع الحلوة البحرية والأصناف المختلفة من المرجان ومنذ آلاف السنين. إلا أنه بالعقود الأخيرة تلاشت تلك المقومات وتغير مناخ البحر بتغير البيئة المحيطة به، وتحولت أجزاء كبيرة من ساحل الخليج البحري إلى صحاري غير مؤهلة لاستدامة الحياة البحرية.

ولذكر ما كان كنا نشاهد ومنذ عقود مضت على ساحل الخليج الشرقي وفي منطقة العزيزية بالتحديد من مدينة الخبر السلاحف البحرية وحين تضع بيضها إلا أنها فقدت فلا عادت تُرى. كما كنا نشاهد على شاطئ نصف القمر من الظهران ما يسمى عاميا بـ «الدقس» وهو من الحيوانات البحرية النادرة، وأيضا بيض الأسماك بأعداد تفوق حد الخيال وقد اختفت جميعا. وبما اندثر الشعاب المرجانية بمدينة الخبر، التي كنا نرى المياه من خلالها صافية كماء الزلال تملؤها الحياة البحرية بشتى أنواعها فقد اختفت تلك هي الأخرى، وأصبح ماء مناطقها هماجا وبلون العواصف الترابية. وحتى الصيد بالساحل لم يعد صيدا كما بالماضي، فقد رحلت منه الأسماك ولا أبالغ. ففي تلك الأزمنة كنا نصطاد بالمئات من الأسماك وفي نزهنا. وكنا فيما كنا فيه نتسابق على أي منا يصطاد أكثر، والآن إن كنت حظيظا فواحدة.

وقد تغيرت المشاهد، فبينما كنا بالسابق نرى قوارب النزهة على طول الساحل حل مكانها الآن مراكب الصيد التجاري للروبيان تمشط ساحل البحر حتى عادت أمرا اعتياديا بشواطئ مدينة الخبر. كما أصبح بعض نواحي البحر أكثر دفئا وقد شاهدنا نفوق الأسماك ومياه حمراء على ساحل الخبر كما رأيناها أيضا في القطيف ولست مبالغا.

وأسباب الملوثات البحرية متعددة ولسنا في جزيرة لوحدنا، فبحر الخليج مشترك تجوبه الناقلات الملوثة لمياه البحر. كما أن ساحل الخليج من عُمان وإلى الكويت تملأه محطات تحلية المياه وإنتاج الكهرباء، التي تستخدم المياه بعملياتها الصناعية. وقد شاهدنا تسربات النفط إبان غزو الكويت بشكل قطع نفطية متجمعة على شواطئ الخبر هذا بغرار تسريبات ناقلات النفط. ومن التأثيرات القارية أن شاهدنا سونامي آسيا رغم بعد المسافة يصل الساحل الشرقي لترتفع الأمواج فجأة. كما أن التغير المناخي من أسباب الاحتباس الحراري له وقع سلبي على كوكب الأرض. فمن مسبباته ذوبان الثلج في القطبين الشمالي والجنوبي، وارتفاع منسوب مياه البحر وتغير حركته، وكذلك شدة الأمواج والأعاصير والرياح. فالبيئة منظومة متكاملة تتأثر ببعضها البعض وتشمل البحر والأرض والسماء.

ولا يستطيع الإنسان أن يهدم بيئته ولا يستطيع الإنسان أن يعيش دونها، فخلق توازن بيئي بين الاحتياج والبيئة مهم لاستمرار الحياة والتنمية المستدامة. وإدراكا لأهمية البيئة وطموح المملكة في مكافحة التغير المناخي للحفاظ على كوكب الأرض، فقد اهتمت الرؤية بشكل خاص بالبيئة وجعلتها من أولوياتها وليس فقط على الصعيد المحلي إنما بالإضافة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وقد شاهدنا من خلال الرؤية وبرامجها المتعددة أنظمة جديدة وإدارات وهيئات، وكذلك مبادرات غير مسبوقة فيما يخص التصحر وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما فيها من ريادة أثنت عليها الدول المختلفة. ولتلك الأغراض أقيمت محميات برية وبحرية بمساحات شاسعة. وكذلك أعدت برامج وحملات متعددة لضمان سلامة وبقاء الكائنات البحرية وحتى لا تكون الأسماك مجرد ذكريات، والقادم أفضل بإذن الله سبحانه وتعالى.

@SaudAlgosaibi