د. محمد حامد الغامدي

n في يوم الخميس (3 يونيو 2021م)، سافرت برّا من الباحة إلى جدة. استعنت بالمرشد (جوجل)، فاختار الطريق الساحلي عبر سهول تهامة. هو السفر الأول لشخصي عبر هذا الطريق. ترددت بداية من نزول جبال السراة عبر عقبة (حزنة)، حيث الداخل مفقود والخارج مولود. فصخورها سارحة على سفحها. وتذكرت خطورة طريق الساحل وكثرة حوادثه. لكن شجعني ما سمعت بأنه أصبح أكثر أمانا وسلامة. وقد تحول إلى اتجاهين. كل اتجاه بمسارات متعددة.

n وصلت مدينة المخواة أسفل عقبة حزنة. ثم وجهني المرشد (جوجل) نحو الخط الساحلي المتجه إلى جدة. هذه أيضا أول مرة أسلك سهول تهامة بالطول. كنت أقطعها بالعرض متجها من بلجرشي إلى القنفذة على ساحل البحر الأحمر. في هذه المرة أخذني الطريق عبر سهول تهامة طولا إلى جدة مباشرة.

n كتبت سابقا عن ضرورة استثمار سهول تهامة زراعيا. إلا أنني لم أتوقع ما شاهدت وعشت ولاحظت. سهول عظيمة ومنبسطة. يحدها عن يميني (شرقا) جبال السراة والحجاز، ويحدها عن شمالي (غربا) مياه البحر الأحمر. سهول على مد البصر تنتظر الاستثمار الزراعي. وتساءلت بحرقة: لماذا غابت سهول تهامة عن وزارة البيئة والمياه والزراعة خلال عمرها الممتد من سنة (1954) وحتى اليوم؟

n مشيت حوالي أربع ساعات بالسيارة عبر السهول التهامية. تخيلتها تنتظر وظيفة مع العاطلين عن العمل. هكذا جاء الاستنتاج وقد تجاهلتها الطفرة الزراعية، حيث اتخذت المناطق الصحراوية ذات الصخور الرسوبية ميدانا لها. كيف جاء التجاهل؟ ولماذا؟

n كنت أتابع درجة الحرارة بالسيارة. لم تتجاوز (36) درجة مئوية. وبنفس الوقت كانت مناطق الصخور الرسوبية تغلي حرارة. الطريق كالداب الأسود. يعبر سهول تهامة من شمالها إلى جنوبها. وقفت أكثر من مرة بجانب الطريق متأملا في هذه السهول، وتربتها. هل سيطول انتظار توظيفها واستثمارها زراعيا؟

n تربة سهول تهامة تختلف عن تربة بقية مناطق المملكة. أيضا في مناخها، وغطائها النباتي، ومياهها الجوفية، وبيئتها النادرة. تربة سهول تهامة تربة طينية وغنية. تربة منقولة في فترات العصور المطيرة من سفوح جبال الحجاز والسراة. مازالت العملية مستمرة حتى اليوم، بسبب سوء إدارتنا لمياه الأمطار على الشريط المطير في هذه الجبال العظيمة. هي تربة تحتفظ بالماء إن تشبعت به. لكنها لا تسمح بتسرب مياه السيول بسرعة. ما لم يتم حجزها لتأخذ وقتها للتسرب عبر حبيبات هذه التربة الطينية إلى أعماقها.

n أيقنت في غياب الخارطة الزراعية للمملكة. أننا من جرف إلى آخر في مجال التنمية الزراعية. منذ تأسيس الوزارة لا توجد لدينا بوصلة علمية توجه وتقود. اجتهادات تقود لفشل وخسائر. ثم نعيد الكرّة مع كل جيل جديد من المسؤولين. يتجاوزون تنوع قدرات بلدنا المتعدد الإمكانات والبيئات.

n خلال الطفرة، في سبعينيات وثمانينيات القرن الميلادي الماضي، صرفنا على مشاريع زراعية فاشلة في المناطق الصحراوية، أكثر من (150) مليار ريال. وتم أيضا توزيع حوالي (4) ملايين هكتار من الأراضي البور لاستثمارها زراعيا. كان نصيب مناطق سهول تهامة مجتمعة، (6 مناطق)، أقل من (3.5) بالمائة من هذه الأراضي. ماذا يعني هذا؟

n هل أقول: رب ضارة نافعة؟ كان درس (الاندفاع) الذي ساد وقت الطفرة. لم تكن هناك خطط. ساد الاجتهاد وتعمق لاستغلال الأموال التي قدمتها الدولة، أعزها الله وقادتها، للقطاع الزراعي. غابت عن المزارعين. ذهبت لرجال الأعمال، والمتنفذين، وكبار موظفي الدولة. كانت مشاريع عشوائية توقفت بسبب عجز المياه.

n تأكد لشخصي في هذه الرحلة، أن سهول تهامة ستظل سلّة خبز المملكة ومستقبلها الزراعي شئنا أم أبينا. سهول تحتاج لتخطيط يراعي المياه الجوفية. وحفر الآبار بطرق فنية. وكبح ثقافة الاستنزاف الجائر للمياه. وتحديد زراعة المحاصيل الإستراتيجية الضرورية لنا وللأجيال القادمة.

twitter@DrAlghamdiMH