هناء مكي

هناك الكثير ممن يرفضون مشاريع الخصخصة في دولنا الخليجية، وحين تستمع إليهم ستجد أن الحق معهم، وحين يتذمرون هم انفسهم من وضعهم القائم، ويتحدثون عن تسلط نفوذ المسؤولين وكمية الفساد المستشرية وتفويت ترقياتهم، وتوريث الوظائف وجلوس المسئول لفترة طويلة على كرسي الرئاسة بلا محاسبة، ستشفق عليهم وتبادرهم بالحل وهو «الخصخصة»، لكنهم سيعاجلونك بالرفض الغاضب أيضا، إذًا ما الحل؟

هنا تكمن علة المشكلة الأساسية، مشاريع الخصخصة ليست فقط ذات مردود ربحي، بل هي من المفترض أن تواكب التطوير والتغيير في مشاريعها، وأن تعتمد على الحوكمة والشفافية بالذات في مشاريع كبيرة كمشاريع الدولة الخدمية، يكون للمساهمين يد طولى في التحكم ووضع اليد.

المبدأ هو المشاركة وفهم المشاكل ومعالجتها، فالخصخصة لمشاريع تعتمد في لوجستياتها على قوى بشرية بها العديد من البطانة الفاسدة، لن ينجح الأمر في إصلاح بيئة العمل وإذا لم تصلح بيئة العمل فالنتائج لن تكون بالمستوى الذي يمكن أن يشكل قيمة مضافة على أرباح المشروع، وإذا لم توجد القيمة المضافة لأي مشروع يتم خصخصته، فليس هناك جدوى من ذلك التحول أساسا.

الدولة وهي الراعي الأبوي للمواطنين، حين تهم بالتوظيف فإن الهدف تقديم خدمة بخدمة أي أن توظف مواطن يقدم خدمة لمواطن، أي أن الهدف مزدوج وهو تشغيل عاطل وتقديم خدمة لمواطن. فمقاييس العمل قد تكون غير تنافسية بل يجب أن تكون بديهية تخدم هدفها الأساسي ألا وهو توطين الوظائف وخفض نسب البطالة. ولا يمكننا إغفال التدرج في التطوير الذي ساهمت به وإن كان بطيئا ولا يتماشى مع المراحل التقدمية في دول نامية، فالتوظيف الحكومي وإن لم يرفع معدل التنافسية في الإنتاج فقد رفعها في التعليم، وساهم في رفع نسب مخرجات أصحاب الشهادة الجامعية وازدهار التعليم بصورة كبيرة، فالحصول على شهادة جامعية توفر المزيد من الوقت والجهد على موظف الدوائر الحكومية لنيل درجة وظيفية متقدمة، إذًا هذه التنافسية لاشتراطات غير ملزمة خلقت جيلا غالبيته متعلم والكثير منهم حاصل على شهادة جامعية، وإلى هنا ينتهي دور التنافسية.

حين يتم خصخصة بعض القطاعات الحكومية الخدمية وليست السيادية بالطبع، فإن الهدف سيتغير من هدف وطني تتبناه الحكومة إلى هدف ربحي تتبناه الجهة المالكة ومساهموها، مما سيرفع من حدية التنافسية حتى ما بعد التوظيف، وستكون السيادة لأنظمة العمل وتشريعاتها في تحديد جودة العامل وكفاءته واستحقاقه بدلا من تحكم الأشخاص، لذا فمن الأفضل أن يتم الاعتماد على التقييمات الرقمية لنيل الاستحقاقات.

هذا الأمر لا يلغي حقيقة أود أن أشير إليها هنا، على الرغم من تنبئي بالانتقال السريع لما بعد جائحة كورونا، ونجاح النظام الاضطراري من استخدام التقنيات والرقميات والبرمجيات، والاعتماد عليها بصورة أساسية، إلا أن هذا النظام ظلم الكثير من الكفاءات التي لا تزال تمارس عملها التقليدي بجودة عالية، بالذات في قطاع التعليم، تلك الفئات التي لديها مهارات قديرة تقليدية ولكنها أخفقت كثيرا في أن تظهر قدراتها من خلال التعامل مع التقنيات الذكية، ليس قصورا هنا ما فعلوه، إنما هو منهج حياة من الصعب أن ينتقل فيه الشخص إلى الضفة الأخرى وهو عاجز عن التجديف، لذا قياس المهارات يجب أن يكون منصفا، فهناك من يجيد التعامل مع التقنيات الحديثة وهناك من يجيد التعامل بمهاراته التقليدية وهو ناجح في أداء عمله، وقد تبخسه التقييمات الرقمية الذكية حقه الحقيقي لأنه بكل بساطة لا يجيد التعامل بها.

التمهيد لن يكون واردا في هذه الفترة، فمرحلة العمل عن بعد يبدو أنه ساهم بفاعلية في تحقيق فكرة تمهيد الانتقال إلى مرحلة الاعتماد على التقنيات الذكية، لذا التهيئة اللوجستية هي الأهم، وتحتاج إلى متابعة لعقد كامل من الزمن في ظل التغييرات السريعة للتقنيات أساسا في قطاعات هامة وفاعلة.

هناك من يريد التغيير ومن لا يريد، وهو انعكاس حالة اللا استقرار يخلقها الخوف من المجهول أو الخوف من الفشل أو كسر الروتين، ولكن الأفضل أن نتقدم خطوة وأن يقوم الجميع بإصلاح مواضع الخلل للتقدم على المستوى الشخصي والربحي والوطني كذلك.

@hana_maki00