هل فكرت يوما في كمية الطاقة المستنزفة في عملية امتلاك غرض واحد؟ فنحن نبحث عن أفضل صفقة للحصول عليه، والذهاب للمتجر وشرائه، ثم نقله للمنزل، والتفكير في مكان مناسب لوضعه، ثم تعلم كيفية استخدامه وصيانته، وتأمينه والحرص على عدم كسره، وأحيانا دفع ثمنه على أقساط تستمر حتى بعد أن تكون قد زهدت فيه أو توقفت عن استعماله، وإذا ضربت كل هذه الخطوات في عدد الأشياء الموجودة في منزلك ستشعر بكمية الإنهاك الفظيع المترتبة، بداية بعملية الاقتناء ثم الاعتناء بالأشياء والتي يمكنها بسهولة أن تكون وظيفة بدوام كامل، ولهذا فلقد استفادت الشركات بتحقيق ثروات ضخمة من هذا الهوس، من خلال بيع منتجات التنظيف وابتكار منتج متخصص لكل غرض، كمساحيق الغسيل المتنوعة للملابس، والورنيش من أجل الفضيات، ورشاشات الهواء المضغوط من أجل الأجهزة الكهربائية، والمئات سوى ذلك، كما ازدهرت صناعة التأمين نتيجة احتمالية تعرض سياراتنا أو مجوهراتنا أو لوحاتنا للتلف أو السرقة، وظهرت صناعة الأقفال والخزائن، وشركات الإنذار، وازداد عدد التخصصات الفنية والتقنية التي تدرس كيفية إصلاح الأشياء، وشركات النقل المستعدة طوال الأربع والعشرين ساعة لتجميع الأشياء ونقلها، وفي ظل كل ذلك الوقت، والمال، والطاقة، ربما نبدأ في الشعور بأن أشياءنا هي التي تمتلكنا وليس العكس، فنحن بداية نقلق بشأن عدم امتلاكها، بعد أن شاهدناها في إعلان تجاري أو عند شخص قريب، وفجأة تحولت لهاجس ومحط تركيز، وتسلل الشعور بالحرمان وقلق التفكير في كيفية الحصول عليها، ثم بدأت رحلة البحث عن أنسب وسيلة لامتلاكها أو التوصل لسعر أنسب، رغم عدم قدرتنا الحالية على تحمل ثمنها، لكننا نريدها بإلحاح قد يجعلنا نلجأ للعمل بساعات إضافية أو الاستدانة، أو الشراء ببطاقات ائتمانية، ثم تأتي اللحظة الميمونة بشرائنا لهذا الشيء، ثم القلق بعد مدة بشأن كيفية إصلاحه، فنغوص في أدلة التشغيل أو محركات البحث بحثا عن المعلومة، وقد نؤجل فكرة إصلاحه ليظل موضوعا داخل خزانة أو في أحد الأركان، أو في القبو، محتلا مساحة واسعة من الغرفة بلا مردود، ولهذا تبدو دائما أن أوقاتنا ضيقة، وحرية قراراتنا محدودة، وربما تكون كثرة الأشياء هي السبب، ولنتمهل ونفكر قليلا في مشاعر الحرية والسعادة التي كنا نشعر بها في مقتبل الشباب، فليس من قبيل المصادفة أن تلك الفترة التي امتلكنا فيها أقل عدد من الأشياء كانت الحياة فيها أبسط، والاستمتاع بالوقت أهم من الامتلاك، وكأن الأشياء مرساة ثقيلة تثبتنا في أماكننا، وتمنعنا من استكشاف اهتمامات جديدة، وتطوير مواهب واسعة، وقد تقف في طريق علاقاتنا، وتعيق نجاحنا العائلي، أو تطورنا المهني، ومن الممكن أن تستنزف إحساس المغامرة لدينا، وكأن لها مجال جاذبية خاصا يعمل بصورة متواصلة على جذبنا للأسفل وتقييد حركتنا، مما يجعلنا نتوصل لمعادلة شبه مؤكدة بأن الأشياء الأقل تعني توترا أقل وحرية أكثر، فحين لا نكون مقيدين بأشيائنا نستطيع الاستمتاع بالحياة والتواصل والمشاركة بصورة أوسع، وأكثر انطلاقا وانفتاحا على التجارب، فكلما قل الحمل المادي والذهني، ازدادت القدرة على التحليق لمسافات أعلى واحتمالات أرحب.