عبدالله إبراهيم العزمان

الأيام مليئة بالمنغصات والمشاريع غير المكتملة، والتي تسهم في الرفع من حدة التوتر في حياتنا، لذا تجد أن أحدنا لا يطيق الانتظار عند إشارة المرور، وآخر يشتاط غضبًا عندما يتم الإعلان عن تأخر إقلاع طائرته بسبب عطل فني، وثالثا يرتفع صوته عند النقاش وتزداد نبضات قلبه ويفقد أعصابه، لقد أصبحت العجلة لغة التفاهم في هذا الزمان، وقل الصبر أو تلاشى من حياة الناس. فهل كل هذا وغيره يعتبر أمرًا طبيعيًا أم أن في الأمر شيئا ما!

الحقيقة أن كل هذه الظواهر وغيرها الكثير، تدل على أن عددًا ليس بالقليل من أفراد المجتمع أصبح يعاني من التوتر.

لقد أسهمت الحياة السريعة التي نعيشها اليوم بفضل ثورة الاتصالات والتقنية الحديثة، في الرفع من حدة التوتر لدى البعض منا، لأننا وطبيعتنا البشرية لا نستطيع أن نواكب سرعتها أو أن نتوافق معها، لذا تجد أننا لا نتقبل أن تتعرض هذه التقنية للعطل أو أن يعتريها الخلل والخطأ، فنفاد البطارية مثلًا من الجهاز المحمول، أو توقف جهاز الكمبيوتر عن العمل، أو نفاد الحبر من الطابعة، تعتبر أمورًا غير مقبولة بالنسبة للبعض منا، وبالتالي تتسبب في شعورهم بالتوتر والانزعاج، وتدفع بهم إلى السخط والغضب والانفعال غير المنضبط من أتفه الأمور.

لقد ارتبطنا ارتباطا وثيقا بهذه الأجهزة، فأصبحنا لا نغادرها إلا عند النوم، وتجدنا نبدأ بها نهارنا ونختم بها ليلنا، فمن هاتف ذكي إلى جهاز لوحي مرورًا بجهاز ألعاب إلى التلفاز وغيرها الكثير، كل ذلك وغيره أسهم في سرقة السلام والهدوء النفسي من حياتنا، وخسرنا بذلك ذواتنا.

كما اتسمت حياتنا بالخمول والكسل، وأصبحت قلة الحركة ظاهرة وسمة لنا، فصرنا نستخدم المركبات حتى في مشاويرنا القصيرة، وزاد الطين بلة، تناولنا للوجبات السريعة بشكل غير طبيعي، مما أدى إلى فشو أمراض العصر في مجتمعنا كالسكري والضغط وتصلب الشرايين والجلطات، كما ساهم التوتر في التأثير على علاقاتنا، فعندما نثور قد نتفوه بكلمات غير مناسبة تجعلنا نخطئ في حق أناس أعزاء ويصعب معها إصلاح ما قد فسد.

إذن كيف نتخلص من التوتر؟

لنا في سنة الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، خطوات عملية لتهدئة النفوس وإبعادها عن التوتر، وأول هذه الأمور الصلاة فقد جاء عنه أنه قال «يا بلالُ، أَقِمِ الصَّلاةَ، أَرِحْنا بها».

ومن ذلك أيضا الأثر الكبير لكتاب الله جل وعلا في تهدئة النفوس وطمأنتها، قال تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)، كما أن لانبساط الوجه وتهلله والابتسامة في وجه الآخرين أثرا نفسيا عجيبا في إضفاء الراحة على النفس أولًا وعلى الآخرين ثانيًا، فقد قال عليه الصلاة والسلام (كلُّ معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق).

ومن الأمور العملية المعينة على تهدئة النفس وإبعادها عن التوتر، تعلم جلسات الاسترخاء، فقد ذكر موقع مايو كلينك أنه يمكن لتقنيات الاسترخاء أن تساعدك في التغلب على التوتر اليومي والتوتر المتعلق بمختلف المشكلات الصحية، كأمراض القلب والشعور بالألم. ومن ذلك أيضًا إعطاء النفس قدرًا واعيًا من تفريغ المشاعر وعدم كبتها، وإبداء الرأي في المواضيع المختلفة بذوق وأدب، ومن المفيد كذلك الحركة وعدم الخمول والجلوس لفترات طويلة، وممارسة الرياضة للترويح عن النفس والبعد عن الأماكن المغلقة والتي تزيد من حدة التوتر والانفعال.

قال الشاعر: محمد مصطفى حمام

علمتنى الحياة أن أتلقى

كل ألوانها رضا وقبولا

ورأيت الرضا يخفف أثقالي

ويلقي على المآسي سدودا

والذي ألهم الرضا لا تراه

أبد الدهر حاسدا أو عذولا

أنا راض بكل ما كتب الله

ومزج إليه حمدا جزيلا

azmani21@