عبدالعزيز المحبوب

تشهد مؤسسات القطاع الثالث في المملكة نموا مطردا تجاه تحقيق أهدافها السامية والتي جعلت تعاليم الشريعة الإسلامية والموروث القيمي السعودي ارتكازا لها، كما لم يقف سعيها الدؤوب للإيفاء بدورها في تعزيز الناتج المحلي بسند مستمر من حكومتنا الرشيدة - أيدها الله - ممثلة في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، فقد تطور الفكر الإداري والاستراتيجي لتلك المؤسسات، واتخذت من نظم الحوكمة المتينة أساسا لبنائها المؤسسي، وتحولت نحو المسار الاستثماري والتنموي عوضا عن الرعوي التقليدي، وحققت وثبات جلية في الاستثمار التقني للتعريف برسالتها والتسويق لبرامجها، وصنعت جملة من الإنجازات التي أثمرت بتوسيع قاعدة شركاء النجاح من أفراد ومؤسسات الوطن، وكذلك جني العوائد والأثر على المجتمع.

وفي خضم حرصها على استباق الخيرات، ما زالت بعض تلك المؤسسات تعمل بمعزل عن الأخرى ممن تقدم خدمات مشابهة، ولا شك أن ذلك يؤدي إلى تكرار الجهود وتشتت الميدان وهدر الموارد مما قد يضعف النتائج المحققة على النطاق المجتمعي الواسع. لذا أرى ضرورة تعزيز العلاقات التكاملية وليس التنافسية بين الجمعيات، فقد قيل قديما «الاتحاد قوة»، وهذا ما نسعى إليه جميعا، قوة المنتج الخيري والمجتمعي الذي يضاهي أفضل الممارسات العالمية ويحصد الثمار التنموية. وذلك يتجسد بصور متعددة منها التعاون في البرامج الموسمية في المنطقة أو المحافظة الواحدة كتفطير الصائمين أو زكاة الفطر كما ضربت جمعيات المنطقة الشرقية بذلك أفضل النماذج عندما وحدت أعمالها في مشروع الأضاحي وزكاة الفطر. وذلك معطوف على ضرورة التحالف في العقود الاستشارية واتفاقيات الشراكات مع المؤسسات الحكومية والخاصة التي تصب في أهداف عدة جمعيات في آن معا بما يحقق التوازن لتلك الجهات الداعمة ويعزز المكاسب الواسعة. كما نتطلع إلى الاستثمار المشترك بين مؤسسات القطاع الثالث في مجال البحث العلمي بما يسهم في تطوير الخدمات المقدمة للمستفيدين ومنهجيات العمل، وكذلك بناء الحلول النموذجية لأبرز القضايا التخصصية ذات الارتباط. وعلى ضفاف آخر أرى ضرورة أن تتبنى الوزارة بناء منصة تعلم إلكترونية لتبادل الخبرات في الحقول المختلفة ذات الاهتمام بما ينمي نضج الأداء، ويحد من فرص الفشل في هذا القطاع الحيوي باستثمار خلاصة تجارب الآخرين. كما نتطلع إلى إنشاء «سجل موحد شامل» لكل مستفيد ليتم من خلاله وعبر بوابة إلكترونية ترعاها الوزارة تقديم الخدمات من الجمعيات له، إذ أن ذلك يسهم في الحد من الهدر الذي ينتج عن استقلال كل جمعية بقواعد بيانات المستفيدين الخاصة بها والذي يتسبب أحيانا في حصول البعض على نفس الخدمة من عدة جمعيات. ولتعظيم القيمة المضافة للتكامل بين تلك المؤسسات في المجتمع، أقترح إعداد حزم البرامج التنموية المشتركة والتي تبدأ من سن مبكرة حتى الاكتفاء والاعتماد الذاتي، كأن تقوم جمعية ما مثلا بكفالة أحد الأيتام، والأخرى بإعداده لسوق العمل، والثالثة بدعم السكن ورابعة بالزواج ونحو ذلك.

اختم بالقول أن رؤية 2030 تركن إلى مؤسسات القطاع الثالث في بلوغ العديد من الآمال التنموية، واتحاد وتكامل الجهود يدفع بتجاوز ذلك إلى صناعة نماذج وطنية يمكن تصديرها للعالمية، وهو ما وضعه خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - نصب عينيه، وسنراه يقينا...«أن تكون بلادنا نموذجا ناجحا ورائدا في العالم».

@azizmahb