عبدالله الغنام

لعله من المستغرب أن تجد «اليوم العالمي للأب» ليس له حظ في روزنامة هيئة الأمم للأيام العالمية. والأكثر غرابة أن تجد أياما عالمية أقل أهمية من يوم الأب من أمثلة (اليوم العالمي للشاي والنحل والبقول) متواجدة ولها متسع في تلك الروزنامة، أفكان من الصعب أن يجدوا يوما واحدا في الجدول السنوي يخصص للأب؟!

ومن الأمور المشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي أن يكون هناك زخم كبير حين يمر علينا (يوم الأم)، ولكن للأسف يمر (يوم الأب) مرورا خافتا وباردا مع كل ما يقوم به من دور مهم وأساسي في بناء الأسرة. والواقع أننا نعرف قيمة الأب الحقيقة حين نفقده أو في وقت الأزمات حيث نجده واقفا متأهبا لمساعدة الأسرة حسيا ومعنويا، وباختصار هو البطل الذي يعمل بصمت.

يوافق يوم (20) يونيو من شهرنا الحالي «اليوم العالمي للأب» وأتمنى أن يكون له يوم رسمي في روزنامة الأيام العالمية على صفحة هيئة الأمم، فهو يستحق ذلك بجدارة. والأكثر أهمية أن نظل نتذكره طوال أيام السنة وليس في يوم واحد فقط.

وجرت العادة أن الأب يقوم بعدة أدوار للأسرة، وهو لا يتحدث عنها كثيرا مع أهمية تلك الأدوار. فهو في الغالب يواجه أزمات الحياة المختلفة (المادية والمعنوية والجسدية) بصمود وبأقل ضجيج ممكن، ويحاول جهده ألا يظهر ذلك لمن حوله خصوصا للأسرة إلا اضطرارا.

ومن المهم أن نتفهم المراحل العمرية التي يمر بها الأب، فليست مرحلة الشباب كمرحلة الشيخوخة، فلكل زمن ومرحلة نمطها بين قوة وضعف، وبين نضج وازدهار وأفول، ولكن سيظل حتما على الدوام رمزا للأبناء والأجيال. ولعل فئة من المراهقين ينظرون إليه بنظر الانتقاد لبعض من آرائه وتصرفاته، ولكنهم سيعلمون بعد حين أن معظم ما يقوم به الأب هو في مصلحة الأبناء والأسرة لأنه عاصر الحياة وتقلباتها. والحقيقة أن تجارب الحياة هي التي تحتم عليه اتخاذ قرارات صعبة وملحة في مختلف مراحل نمو الأسرة.

ودعونا نستمع إلى آراء عنه ومنه، فعباس محمود العقاد في كتابه «أنا» يتحدث عن أثر مشهد لأبيه بقي عالقا في ذهنه أبدا حيث قال: «وكان يؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها، ولكن جلسته (على سجادة الصلاة من مطلع الفجر إلى ما قبل الإفطار) في الصباح الباكر هي التي انطبعت في ذاكرتي إلى هذه الساعة، لأنها أول ما أستقبله من الدنيا كل صباح». وأما أحمد أمين، فيقول في كتابه «حياتي» عن تجربته كأب: «فأكثر متاعب الطفولة في الصحة والمرض، وأكثر متاعب المراهقة في الدراسة والسلوك».

ومن الملاحظ أنك ستجد من يقول لك: ليس كل الآباء لهم صورة مثالية أو مضحية، بل قد تعاني بعض الأسر وبعض الأبناء من قسوة الآباء المفرطة أو من الإهمال الشديد، ومنهم من قد يسيئون في التربية جهلا أو عن قصد! وهؤلاء قلة وليسوا بمقياس، وأهل الفقه يقولون (الشاذ لا حكم له). ولكننا نجد أن الأكثرية يبذلون جهدهم لتقديم أفضل ما لديهم. والواقع أن الآباء هم أعمدة الأسرة في كل بقاع الأرض حتى مع اختلاف الثقافات والديانات والمعتقدات.

واليوم العالمي للأب ذكرني بأحد الآباء الذي أراد أن يكتب بعضا من النصائح لولده حين أراد أن يرحل من البيت إلى الجامعة، ولكن لحرصه الشديد على ابنه جعل الأب يستطرد في كثرة النصائح حتى بلغت (1530) نصيحة! فوضعها في كتاب وسماه «إرشادات الحياة» وهو المؤلف الأمريكي إتش جاكسون براون.

الأب هو السند القوي والصامت، وهو قد يأخذ من نفسه ليعطيك، ولكن للأسف أن البعض منا لا يعرف قيمته إلا بعد رحيله!

abdullaghannam@