لست من مدمني الأيام والأعياد العالمية ولا أحرص على متابعتها لأن الحياة الطبيعية والتقدير غير المصطنع لأهل التقدير واجب طبيعي، والهدايا والاحتفالات رموز جميلة كلما سنحت الفرصة.
لكني توقفت كثيرا عند يوم الأب الذي وافق الأسبوع الفائت ولا أعلم هل لأني فقدت أبي منذ أقل من عامين ونكأ هذا اليوم جراح فقدي فساقني للاعتراف به دون شعور.
الأب نعمة عظيمة فهو الوزير الذي بيده كل الحقائب الوزارية ! والصلاحيات التي بها يعم السلام مملكة الأسرة الصغيرة ولا يشترط في وزارته أي شهادات حتى شهادة الميلاد والتطعيم قد لا تكون متوفرة ! وتكتفي هذه الحقيبة بشهادة مسؤولية أبوية حقيقة مصحوبة بحب واحتفاء بكيان الأسرة الجميل.
من أجمل ذكرياتي ذكريات الطفولة التي صنعها أبي كان أبي مدرسة في التربية فعندما يعود من عمله نتسابق ليس إليه فقط بل لننتزع كيس الحلوى التي يحضرها لنا يوميا ونحن نردد (أبوي جا) وبعد أن ننقض على كيسه يجمعنا على سفرة الغداء ويطعمنا كعصافير تنتظر من يلقمها الطعام دون تعب ! وما أن يتأكد من أننا شبعنا يأكل ما تبقى في صفحة عبثنا بها بكل قسوة ! كان اليوم الذي يتقاضى فيه راتبه يوم التوحش الطفولي ! فنشتري ما يحلو لنا دون رحمة كنا نفخر على أقراننا بما عندنا بينما آثر آباء الجيران أن يبقوا أطفالهم يتسلون بالأحلام وينعمون بماله بعد وفاته دون أن يستمتع بملامح سعادتهم ! كان والدي لا يرد لنا طلبا وإن جاء منتصف الليل فالبنات مقدسات في قاموسه.. مات أبي ولم يورث كثير مال لكن لا يمكن أن ننسى الإرث الأسطوري الذي كلما اجتمعنا فيه بجيراننا الأغنياء ذكرونا به وكيف أنهم كانوا ينظرون لنا بحسرة الطفل المحروم !! اليوم لا يمر يوم إلا ورفعنا كل ما نعرف وندرك من الدعوات لوالدي لنرد جزءا من احتراقه وإرهاقه وتعبه الذي لم يشعرنا به يوما.
كم والد استزف طاقته من أجل أبنائه وحاول جاهدا أن يقدم لهم الحياة على طبق من ذهب وهم لا يعلمون حجم المعاناة التي كابدها، وكم من أبناء يعتقدون أن هذا واجب وليس فضل !! إن رفع سقف التوقعات تجاه الأبناء وانتظار لحظة الامتنان تشبه العيش على الأحلام، فالأنانية التي تحلى بها بعض هذا الجيل تبعث الإنهاك والتعب والشعور بالإحباط تجاه اعتقاد قصور في التربية، وينتهي المربي بالوصول لسن أهمل فيها نفسه واحتياجاتها على أمل أن يفخر بنتاج تربيته فهم إما أن يكونوا ناجحين بارين ممتنين أو ناجحين يحملون شعور الأنا يرددون (إنما أوتيته على علم عندي) !
في بعض المجتمعات وخاصة المجتمعات الريفية يشعر الأبناء بالامتنان لوالديهم فهم يسعون جاهدين لرد الجميل وكم من أسرة انتشلهم الأبناء من الفقر والحاجة إلى حياة تليق بهم وكانوا موقنين بحدوثها لذلك أنفقوا كل ما يملكون لهذا اليوم بكل ثقة !
وإن كانت كثرة الإنجاب قوة لبعض المجتمعات وعزا ورفعة وانقيادا لما جاء به الدين الحنيف في المكاثرة بين الأمم إلا أننا يجب أن نكون وسطا بين التضحية والاحتراق والحرص الزائد والدقة في المتابعة وبين الإهمال والأنانية الوالدية التي تنتج جيلا ضائعا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.
ولنسعد بأبنائنا ونخلق علاقة حب دون أنانية ودون أن نعزز لديهم فكرة أنهم محور الكون بل للوالدين حقوق ومشاعر ومتطلبات أبسطها لين القول والخضوع فيه،
وإلى كل أب أهمل أسرته وعاش لنفسه ومتطلباته وأورثهم الحسرة والألم والحاجة أنت لست الأب الذي يحتفى به ! ولست ذلك الكائن الذي تراه ابنتك وتقول بفخر «هذا أبي»..
@ghannia
لكني توقفت كثيرا عند يوم الأب الذي وافق الأسبوع الفائت ولا أعلم هل لأني فقدت أبي منذ أقل من عامين ونكأ هذا اليوم جراح فقدي فساقني للاعتراف به دون شعور.
الأب نعمة عظيمة فهو الوزير الذي بيده كل الحقائب الوزارية ! والصلاحيات التي بها يعم السلام مملكة الأسرة الصغيرة ولا يشترط في وزارته أي شهادات حتى شهادة الميلاد والتطعيم قد لا تكون متوفرة ! وتكتفي هذه الحقيبة بشهادة مسؤولية أبوية حقيقة مصحوبة بحب واحتفاء بكيان الأسرة الجميل.
من أجمل ذكرياتي ذكريات الطفولة التي صنعها أبي كان أبي مدرسة في التربية فعندما يعود من عمله نتسابق ليس إليه فقط بل لننتزع كيس الحلوى التي يحضرها لنا يوميا ونحن نردد (أبوي جا) وبعد أن ننقض على كيسه يجمعنا على سفرة الغداء ويطعمنا كعصافير تنتظر من يلقمها الطعام دون تعب ! وما أن يتأكد من أننا شبعنا يأكل ما تبقى في صفحة عبثنا بها بكل قسوة ! كان اليوم الذي يتقاضى فيه راتبه يوم التوحش الطفولي ! فنشتري ما يحلو لنا دون رحمة كنا نفخر على أقراننا بما عندنا بينما آثر آباء الجيران أن يبقوا أطفالهم يتسلون بالأحلام وينعمون بماله بعد وفاته دون أن يستمتع بملامح سعادتهم ! كان والدي لا يرد لنا طلبا وإن جاء منتصف الليل فالبنات مقدسات في قاموسه.. مات أبي ولم يورث كثير مال لكن لا يمكن أن ننسى الإرث الأسطوري الذي كلما اجتمعنا فيه بجيراننا الأغنياء ذكرونا به وكيف أنهم كانوا ينظرون لنا بحسرة الطفل المحروم !! اليوم لا يمر يوم إلا ورفعنا كل ما نعرف وندرك من الدعوات لوالدي لنرد جزءا من احتراقه وإرهاقه وتعبه الذي لم يشعرنا به يوما.
كم والد استزف طاقته من أجل أبنائه وحاول جاهدا أن يقدم لهم الحياة على طبق من ذهب وهم لا يعلمون حجم المعاناة التي كابدها، وكم من أبناء يعتقدون أن هذا واجب وليس فضل !! إن رفع سقف التوقعات تجاه الأبناء وانتظار لحظة الامتنان تشبه العيش على الأحلام، فالأنانية التي تحلى بها بعض هذا الجيل تبعث الإنهاك والتعب والشعور بالإحباط تجاه اعتقاد قصور في التربية، وينتهي المربي بالوصول لسن أهمل فيها نفسه واحتياجاتها على أمل أن يفخر بنتاج تربيته فهم إما أن يكونوا ناجحين بارين ممتنين أو ناجحين يحملون شعور الأنا يرددون (إنما أوتيته على علم عندي) !
في بعض المجتمعات وخاصة المجتمعات الريفية يشعر الأبناء بالامتنان لوالديهم فهم يسعون جاهدين لرد الجميل وكم من أسرة انتشلهم الأبناء من الفقر والحاجة إلى حياة تليق بهم وكانوا موقنين بحدوثها لذلك أنفقوا كل ما يملكون لهذا اليوم بكل ثقة !
وإن كانت كثرة الإنجاب قوة لبعض المجتمعات وعزا ورفعة وانقيادا لما جاء به الدين الحنيف في المكاثرة بين الأمم إلا أننا يجب أن نكون وسطا بين التضحية والاحتراق والحرص الزائد والدقة في المتابعة وبين الإهمال والأنانية الوالدية التي تنتج جيلا ضائعا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.
ولنسعد بأبنائنا ونخلق علاقة حب دون أنانية ودون أن نعزز لديهم فكرة أنهم محور الكون بل للوالدين حقوق ومشاعر ومتطلبات أبسطها لين القول والخضوع فيه،
وإلى كل أب أهمل أسرته وعاش لنفسه ومتطلباته وأورثهم الحسرة والألم والحاجة أنت لست الأب الذي يحتفى به ! ولست ذلك الكائن الذي تراه ابنتك وتقول بفخر «هذا أبي»..
@ghannia