خالد الشنيبر

في الأسبوع الماضي أعيدت مناقشة مقترح توطين الوظائف القيادية في القطاع الخاص، وهذا المقترح ليس بجديد على الساحة، حيث أنه تمت مناقشته في كثير من المناسبات والأوقات، ولكن يتضح للعموم أن وزارة الموارد البشرية لم تصل حتى الآن لآلية لتطبيقه، وقد يكون السبب الرئيسي لذلك هو تداخل الملف بين عدة وكالات، واختلاف طريقة تفكير كل وكالة عن الأخرى من ناحية «المنطق والواقعية».

أنا شخصياً من أكثر المؤيدين لتطبيق تنظيم خاص في توطين الوظائف القيادية بالقطاع الخاص، فلدينا العديد من الثروات والكفاءات السعودية القيادية، التي أثبتت نفسها في القطاع الخاص، وأثبتت نفسها في تطوير الكفاءات السعودية في الصفوف التالية التي تتبع لها، ولكن ما أتخوف منه فعلياً هو الآلية التي ستنوي الوزارة العمل عليها.

في مقال سابق عن نفس الموضوع، ذكرت أن المعنى الأوضح لتوطين الوظائف القيادية يعني التوجه لتوطين توظيف المناصب الإشرافية والعليا في المنشأة، ولكن من المهم أن ندرك أن هناك اختلافا للهيكل التنظيمي ولمسميات الوظائف من منشأة لأخرى، ويعتمد على حجمها وطبيعة نشاطها، ولا يوجد أي نموذج موحد للهياكل التنظيمية حتى يتم الاستناد عليه في تحديد مستويات الوظائف القيادية، ولذلك إدارة هذا التنظيم ليس بالسهل كما يتخيله العديد.

هناك مثال بسيط أكرره دائماً عند الحديث عن هذا التوجه، ويعتبر مثالا واقعيا وتوضيحيا في سوق العمل، فقد نجد الموظف في المستوى الوظيفي «المُنسق» أو «الأخصائي» في المنشآت العملاقة يحصل على أجر ومميزات ومكافآت أعلى من الموظف في المستوى الوظيفي «مدير القسم/ الإدارة» في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبنفس الوقت نجد أن من متطلبات شغل بعض الوظائف في الشركات العملاقة في مجموعة كبيرة من الوظائف «المستويات الثالثة والرابعة والخامسة بعد رأس الهرم» تتطلب حدا أدنى من المؤهلات والخبرات والمهارات قد تكون أعلى من المتطلبات في الوظائف العُليا والقيادية بالشركات الصغيرة والمتوسطة، ولذلك السؤال الأهم؛ كيف سيتم تحديد وتصنيف الوظائف القيادية في جميع المنشآت حتى يتم العمل على توطينها أو المطالبة بها؟.

أعجبني طرح أحد المختصين في الموارد البشرية في أحد اللقاءات حينما وجه سؤالاً مهماً كان مضمونه «أيهما أهم توطين الوظائف القيادية أم توطين المقاهي والمطاعم وسيارات الآيسكريم؟»، وكوجهة نظر شخصية أنا مؤيد لكل ما ذكره المختص في لقائه، وذلك بحكم خبرته واطلاعه على سوق العمل بقرب من خلال سنوات عديدة قضاها في سوق العمل وفي تطوير القيادات السعودية، وأنا اعتبر هذا الطرح هو الأساس الذي ينبغي أن تبنى عليه اجتماعات وزارة الموارد البشرية قبل تحديد آلية تطبيق هذا التوجه.

بحكم تخصصي في الموارد البشرية أرى أن الأساس والتوجه الأكثر «أثراً» وَ«الأهم» وَ«الأنسب» في هذا الملف هو البدء بالتركيز على معدل أجور الموظفين السعوديين مقارنة بمعدل أجور غير السعوديين في نفس المنشأة، ومن ثم مقارنة تلك الأرقام مع معدلات أخرى مناطقية وعامة مع تحديد نفس فئة النشاط وحجم المنشأة، ومن هذا المنطلق يتم تحديد حوافز فعلية لمنشآت القطاع الخاص حتى نصل لمستهدفات التوطين نوعياً، وهذا بحد ذاته يعتبر تشجيعا لتوظيف السعوديين بوظائف قيادية وبشكل سلس.

من إطلاع على سوق العمل ومعرفة شخصية بكثير من قيادات الموارد البشرية، هناك تغيير سريع لدى كثير من أصحاب الأعمال في إحلال الكفاءات السعودية بدلاً من الوافدة، وذلك على المستويات الوظيفية القيادية مقارنة بالسنوات الماضية، وهذا التوجه يبشر بالخير للمرحلة القادمة، ولنجاح مثل هذا التوجه أرى أهمية لأن يكون الاعتماد فيه على «القطاعات» وألا يكون مركزيًا من جهة واحدة وهي وزارة الموارد البشرية، ولنا من تجارب البنوك السعودية مثال ناجح لذلك.

ختاماً؛ القيادة ليست بامتلاك الشهادات، والقيادة لا تأتي بالإلزام، فكثير من الأحيان نجد كفاءات سعودية في مناصب قيادية، وذلك بسبب خبراتها المتراكمة ومهاراتها وطريقة تفكيرها وإتاحة المجال لها بتمكينها، والأهم من ذلك دعمها من خلال الأنظمة المنطقية والواقعية.

@Khaled_Bn_Moh