لمى الغلاييني

يمتلك البعض مهارة حياتية تعد من أهم جوانب القوى الإنسانية، وهي مهارة تأكيد الذات، وتعني قدرة الإنسان على معرفة حقوقه، والمطالبة بها والمحافظة عليها، دون أن يتجاهل أو يتعدى على حقوق الغير، ويعاني الكثير من بعض الصعوبات، التي تمنعهم من ممارسة حقوقهم في التعبير عن رأيهم أو رفض طلبات الآخرين، أو التعبير عن مشاعرهم، أو الدفاع عن وجهات نظرهم، أو الاستفسار عما يحتاجونه من معلومات، ويستندون في تبرير ضعفهم بحجة الخجل المحمود، وأنه من الحياء المستحب والمعتبر كشعبة من شعب الإيمان، لكن ذلك الالتباس غير صحيح، فهو واقعيا نمط سلوكي مساير للآخرين خوفا من رفضهم، يجعل الفرد يظهر القليل من الاحترام لنفسه ولحقوقه واحتياجاته، ويسمح للآخرين باختراق مجاله الشخصي، وإنكار حقوقه وتجاهل احتياجاته، وعدم الجهر برغباته، وعندما يريد فهو يفعلها بطريقة اعتذارية لا تجعل الآخرين يأخذونها على محمل الجد، وكثيرا ما تتوه رسالته بسبب سلوكياته غير اللفظية المنخفضة التوكيد، كصوته المنخفض جدا أو تردد نبراته، أو ندرة التقاء عينيه بمَنْ يحدثه، وأمور كثيرة تقلل من وضوح حاجاته ورغباته ودفاعه عن حقوقه، ويختار البعض اللجوء لهذا النمط السلوكي عمدا باعتباره أسلوبا مناسبا لتجنب الصراع وتحقيق الأمن والراحة، والعديد منهم تبرمج منذ صغره على التصرف بهذا النحو في الأسرة أو المدرسة، لأن بعض المدرسين يشجعون الطفل المسالم، الذي لا ينطق حرفا في الفصل ويعتبرونه التلميذ المثالي، والعديد من الأمهات تصف ابنها الذي ليست له مطالب، ولا يتجادل مع إخوانه بأنه طفل مطيع هادئ، ولكن ثمن هذا اللطف سيبدو مرتفعا عندما يكبر هذا الطفل، ويبدأ في توسيع نطاق تفاعله، وتزداد احتياجاته ومطالبه، وسيتعرض لكثير من الضغوط لكسر هذه الأنماط السلوكية المترسخة منذ الصغر لشراء رضا الآخرين، لأنهم اعتادوا عليه بتلك الشخصية، التي يطلقون عليها اسما تجميليا مثل «شخص غير أناني»، وهناك مَنْ يلجأ لهذا الأسلوب المساير؛ لأنه يتضمن تحمل قدر أقل من المسؤولية مقارنة بالتوكيدي أو العدواني، فالناس نادرا ما تلومه لأنه دوما تحت قيادة شخص آخر، فعندما يخرج مع أصحابه لتناول الطعام، يرفض اختيار أي مطعم ويقول إنه موافق على أي مكان يختارونه، وإذا لم يناسبهم المكان فلن يوجهوا له اللوم له، لأنه ليس الشخص الذي اختار المطعم، فهؤلاء الأشخاص يدفعون الآخرين للاهتمام بهم وحمايتهم لأنهم دائما عاجزون ويريدون مَنْ يتخذ القرار عنهم، ويدافع عنهم، بما يظهرونه من هشاشة تدفع المحيطين بهم لرعايتهم، لكنهم يستطيعون السيطرة الخفية على مَنْ حولهم بسلوكياتهم المسايرة، وما يستخدمونه من أساليب ابتزازية مثل البكاء والانكسار، والظهور بمظهر الضحية، الذي يؤدي للشعور بالعطف نحوهم ومحاولة مساعدتهم، ومن الواضح أن هذا النمط لا يعيش حياته، بل حياة تحكمها رغبات الآخرين، ورغم موافقته الخارجية إلا أنه يفتقد العلاقات العميقة الصادقة، ويكبت الكثير من مشاعر الغضب والسخط المتراكمة، كما أن تضحيته المفرطة لأجل الآخرين تولد لديه نوعا من الامتعاض والغبن، لأنه يكتشف أن نتائج تضحياته هو عدم تمكنه من إيجاد علاقات مشبعة، فهل توجد في حياتك مثل هذه الشخصيات؟ وكيف تشعر حيالها؟ وما هو سبب ممارستها لهذا السلوك من وجهة نظرك؟.

LamaAlghalayini@