ماجد عبدالله السحيمي

البعض منا يعيش الحياة كما يركب القارب، الذي تجر الأمواج أشرعته باتجاهها فلا دور له في تغيير البوصلة إن قالت الرياح يمينا يمّن معها، وإن قالت يسارا كذلك. فمثلا الدراسة والتخصص حسب المتاح وحسب المجموع والدرجات، أعلم تماما صعوبات اختيار التخصص ومحدودية المقاعد في الجامعات، ولكني أتكلم عن مبدأ به شيء من التخطيط وتوجيه الميول والمهارات. من ضمن ذلك موضوع الأسرة، الذي يبدأ عند الكثيرين نعم الكثيرين، فهم ليسوا قلة، إكمال الدراسة ثم البحث عن وظيفة ثم تكوين النفس ثم الإقدام على الزواج، حتى هنا الأمور مقبولة شكلا ولكن هل هي كذلك مضمونة؟ أقصد هل هي مجرد سُنة للحياة جاء وقتها فقط، أم هي قناعة وإدراك لمشروع ما تبقى من الحياة، الذي غالبا ما يمثل أكثر من ثلثيها، أسوأ شيء أن يكون مجرد زواج لتقديم الخدمات المتبادلة بين الزوجين ثم التكاثر، وهكذا تسير الحياة وتعيد دورتها، أم أن هناك إدراكا عظيما لمشروع الأسرة الأعظم وهو إكمال مسيرة الحياة مع طرف آخر يساهم في جودة كل شيء نفسك وتفكيرك ومهاراتك ونضجك ومداخيلك وكل حياتك، الموضوع مختلف تماما عن متطلبات ومصاريف وكدح للأب وحنان من الأم، فهو كمشروع تم تخطيطه على الورق والآن حان وقت تشييده على الواقع، الأسرة هي مشروع يرتكز أولا على احتساب كل ما فيه لوجه الله، اختيار الزوجين لمرضاة الله ونفع النفس وذرية صالحة تنفع الدين والوطن، مشروع مبني على كل شيء مشرق يبدأ بابتسامة وينتهي بالصفح وتجاوز الأخطاء والزلات والتغافل، مشروع لا يقبل الانتقام ولا رد الديون، هو مشروع لا يقبل شيئا اسمه قطيعة ولا غضب دائم ولا هجر ولا توتر. لن أكون مثاليا وأصوره كالماء الزلال الصافي، ولكن أقول إن هذه عناوينه الرئيسية وخطوطه العريضة، وإن شذ شيء فسرعان ما يعود إلى قواعده، في نظري أن الأسرة كالجيش دائما متجه إلى الأمام مستريح وقت الرخاء، متكاتف في الشدة، إن سقط أحد جنوده ساعده وعالجه البعض ودافع عنه البعض الآخر، لا عتاب ولا لوم ولا تأنيب ولا خصام، فالهدف واحد ومشترك والجميع منتصر، وعلى سبيل المثال إن رأيت رجلا في منتصف العمر بعمر الخمسين، صالحاً باراً بوالديه محسناً إلى أهله، فاعلم أنه نتاج مشروع استمر خمسين عاما، واعلم أن خلفه والدين أصّلا هذا المشروع بكل معانيه. حاولت البحث عن تعاريف مختلفة للأسرة، فوجدت عدة تعابير جميلة تصف ما أحاول إيصاله، فمثلا (الأسرة هي جماعة من الأشخاص، الذين تقوم العلاقات بين كل منهم والآخر، على أساس قرابة الدم، ويكون كل منهم بناء على ذلك كأنه جزء من الآخر)، وهذا من أجمل التعاريف، الذي يمثل كل حرفة فيه معنى رائعا وجميلا.

وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل بإذن الله أودعكم قائلا: (النيّات الطيبة لا تخسر أبداً) في أمان الله.

@Majid_alsuhaimi