عبدالله إبراهيم العزمان

يُحكى أن سقًّا كان يملأ دلوين كبيرين بالماء، ويحملهما على عصا يضعها على كتفيه، وكان أحد هذين الدلوين مثقوبًا والآخر سليمًا، فالدلو السليم كان يصل به كاملًا، والمثقوب كان يصل به ناقصًا نصفه، وفي يوم من الأيام قال الدلو المثقوب لصاحبه اعذرني يا سيدي لأني لا أحتفظ بكل الماء في الدلو، فقال له الساقي: ألم تشاهد في طريقك الزهور الجميلة، قال: بلى، قال الساقي: لولاك لما نمت هذه الزهور.

الغرس الطيب أثره كبير، سواءً كان بصناعة معروفٍ أو بكلمة طيبة، فمهما كان العمل بسيطًا، فإنه مع مرور الوقت سيكبر ويعظم، فالأبوان اللذان يحرصان على تربية أبنائهما ويهتمان برعايتهم، حتمًا سيجدان ثمرة غرسهما بعد أن يكبر هؤلاء الأبناء، والمعلم الذي يبتكر الأساليب المختلفة، ويكرس جهده لتقديم المعلومة بأفضل الطرق، يستحيل أن ينسى فضله طلابه، والعامل الذي يتقن عمله ويعتني به، يتوافد عليه الناس، والموظف المتفاني في عمله، سيجد مَنْ ينصفه يومًا ويهتم به.

الحياة مليئة بالمساهمات الإنسانية والاجتماعية الجميلة، فهذا الجار يرعى أبناء جاره المتوفى، وذاك تاجر يتكفل بالمصاريف الدراسية لطفل يتيم حتى يتخرج في الجامعة، وطبيب يرفض أن يأخذ أجرته من فقير.

إن الناظر في مجتمعنا سيجد أن فيه أناسًا نادرين، يعجز اللسان عن شكر فضلهم، وتتواضع الكلمات في وصف حالهم، إنهم أناس سخّروا طاقاتهم لخدمة الناس وبذلوا أنفسهم في مساعدة غيرهم، حتى إنك لتجدهم يعرضون خدماتهم عليك قبل أن تطلبها منهم، وستجد أنهم يبذلون كل ما في وسعهم في سبيل إنجاز خدمة لصاحب حاجة، وهم بذلك يتذكرون قوله عليه الصلاة والسلام: (صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ والآفاتِ والهلكاتِ، وأهلُ المعروفِ في الدنيا همْ أهلُ المعروفِ في الآخرةِ).

فلنعمل على فعل الخير ولننشره بيننا، ولنتعاهد ونتواصَ عليه، فكلما نشرنا خيرًا في مجتمع أزحنا عنه شرًا.

قال أبوالفتح البستي:

ازرع جميلاً ولو في غير موضعه

فلن يضيع جميلاً أينما زُرِعا

إن الجميل وإن طالَ الزمان بهِ

فليس يحصدهُ إلا الذي زرعا

azmani21@