لمي الغلاييني

لعلك تنظر إلى الكثير من الناجحين، فتظن أنهم كانوا يعرفون دائما ما هو الصواب، حيث يبدو لك الكثير منهم على درجة عالية من الثقة الجذابة، وسلاسة الموهبة، التي تجعلك تعتقد بأنهم يفعلون كل أمورهم باقتدار وسهولة، لكن الأمر ليس كذلك أبدا، ونجاحهم الذي يعجبك حاليا لم يكن مؤكدا على الإطلاق في بداية رحلتهم، فلقد كانت لأكثرهم مئات الشكوك في اليوم الواحد، وكانوا يجلسون كما تجلس الآن ويتساءلون عما يستطيعون فعله، وما إذا كان الأمر يستحق العناء، أو هل لديهم ما يتطلبه الأمر، وكيف سيواجهون الناس إذا فشل الموضوع، والعديد منهم وجدوا أنفسهم على وشك الاستسلام والتخلي عن الأمر كله، وواجههم ذلك الشعور مرات كثيرة على امتداد الطريق، ولم ينجحوا لأنهم كانوا على يقين من نجاحهم، بل لأنهم لم يسمحوا لعدم اليقين بأن يوقف أحلامهم، وتجاهلوا شكوكهم وتابعوا سيرهم بالرغم من ذلك «اللايقين»، فالنجاح «غير يقيني» أبدا، ولا نجاح بدون مخاطرة مهما كنت الأكثر ذكاء أو اجتهادا في العمل، وإن مَنْ ينطلقون لفعل أشياء عظيمة في حياتهم يعرفون ذلك جيدا ويتقبلونه تماما، وعلى غرار أشياء أخرى كثيرة في حياتنا، يأتي جزء كبير من خوفنا من الإقدام على «اللايقين» نتيجة قلقنا من مواجهة ما قد يطلقه علينا الآخرون من الأحكام، لأننا نخشى مواجهة ذلك الاحتمال بأن يكون مظهرنا غريبا عن المعهود إذا حاولنا توسعة حدودنا وتحقيق أشياء جديدة، فقد لا تنجح المحاولة وحينها سوف يصفنا الناس بأننا فاشلون، وهذا ما تعنيه مقولة الفيلسوف أبكتيتوس: «إذا كنت راغبا في التطور، فعليك أن ترضى بأن يظنك الناس مجنونا»، لأنك لن تتمكن من تحقيق مقدراتك الحقيقية إذا بقيت متعلقا بما قد يظنه الناس بك، وحين تتحرر من مخاوفك من آراء الآخرين ستنطلق بسلاسة نحو تحقيق أحلامك، ولا يعني هذا أن تصبح وقحا ومعاديا لمجتمعك، لكن المقصود من هذا الكلام بأنك إذا أردت الفوز فعليك أن تكون مستعدا للكثير من الأحكام والآراء، التي سيطلقها عليك الآخرون، والتي لا ينبغي أن تسمح لها بالتأثير عليك، لأنه من المفيد جدا أن تعلم بأنك إذا نويت الانطلاق بمشاريع خارج الروتين المألوف لأفكار محيطك، فلا بد لك من القبول بوجود أشخاص سيعتبرونك واهما أو مغرورا أو ساذج التفكير، وهذا ما يدعو الكثير لتفادي حالة المجازفة نحو «اللايقين» خشية ما قد يطلقه الآخرون من أحكام، والانكفاء داخل عالمه الروتيني المنظم، مما يجعله يتسمر في مكانه بمسامير الخوف، لذا فقد يصبح هوسنا بالأمان مأساويا، لأن الكثير من الأشياء الجميلة تنتظرنا خارج منطقة الأمان والمألوف، وتصبح غريزة البقاء، التي كانت عنصرا مهما في بقائنا على قيد الحياة هي العامل نفسه، الذي يمنعنا من الحياة، فكلما ازدادت محاولاتنا الرامية إلى أن نظل مرتاحين اليوم، غدونا أقل راحة غدا، فلا وجود لمحطة نهاية في حقيقة الأمر، وما من شيء غير الاكتشاف ومتابعة الاستكشاف.

@LamaAlghalayini