مصطفى المهدي

قبل 47 عاماً لم تكن تلك البداية اكتشافاً أو اختراعاً، بل كانت حلماً ولكنه ليس كبقية الأحلام، التى تعطلها الأقلام أو مراوغة وغموض الأرقام.

فكم من الأحلام الجريئة والأفكار الواعدة وَأَدْتها في مهدها الأقلامُ بعبارات مثل «لا تقدروا... لن تقدروا».. «ليس أولوية»... «هناك طرق أخرى»... «لننتظر».. «لا يمكنكم»... «لن تستطيعوا»... «أنتم لا تملكون الخبرة»... «أنتم لا تملكون التقنية» والأخطر.... «أنتم لا تملكون الموارد البشرية المؤهلة»... حلمٌ لم تعطله الأرقام أو المؤشرات أو تقلبات السوق أو الشركات العالمية النافذة!

قبل عقود كانت مجموعة من الرواد ترى الحقيقة على هيئة حلم! فبفضل الله لم يكن يفصلها بين الحلم والحقيقة سوى ظرفية الزمان... أما ظرفية المكان، فقد كان العالم الذي أدرك الرواد أنه هو ميدانهم في المستقبل، وأن الريادة هي غايتهم، وأن صناعة القيمة المضافة للوطن هي وجهتهم. لم يكن ذلك الحلم، الذي تحول إلى حقيقة -نراها اليوم وستراها الأجيال القادمة بحول الله- ليغير وجه الصناعة العالمية والاستغلال الأمثل للموارد لولا الفكر العميق، الذي صنعه سؤالهم «لمَ لا؟»، والالتزام الذي صنعه سؤالهم «لمَ لا يكون الآن؟» والإرادة والقدرة والطاقة للتنفيذ، التي صنعها سؤالهم «لِمَ لا نكون نحن من نؤسس ونخطط وننفذ ونصنع الفرق؟» أسئلة نستنتجها وحريٌ بنا أن نعيد إنتاجها بعد كل تلك العقود؛ لأن الإجابة رأيناها بأم أعيننا «ولمسنا الحلم في هيئته الحقيقة».

ولا يتأخر الدعم والإيمان بفكرة الحلم، فيصدر المرسوم الملكي م-75 ليرسم صورة مستقبل الصناعة، خصوصا الصناعة البتروكيمياوية والتحويلية ويؤسس لمجتمعات حيوية ومدن نموذجية متكاملة وجودة حياة شاملة. وينطلق المرسوم ليضع الحلم على الطريق السريع م-75 المتجه شرقاً وغرباً ليصنع الواقع من خلال منظومة فريدة في رؤيتها ورسالتها وأهدافها. وعريقةٌ في مسماها وسمتها وبصمتها وتميزها لأن هيئتها ملكية.

لقد صنعت المملكة العربية السعودية نموذجا عالميا رياديا وضعت به وعززت جهود العالم على طريق رفاهية وازدهار بتحويل الغاز المصاحب للزيت إلى مواد أساسية وتحويلية متعددة ساهم الابتكار في تحويلها إلى منتجات تمكنت من المساعدة في فك ألغاز العلوم الأساسية. وبفضل الله ثم بعقول وسواعد أبناء الوطن لم يكن أمام الكثير من الشركات العالمية وصناع ومبتكري التقنية بدٌ من السعي والعمل لعقد الشراكات مع الشركات الوطنية الرائدة، وفي مقدمتها أرامكو السعودية وسابك.

وكما يتحدث الرواد عن المثلث الذهبي -الهيئة الملكية وسابك وأرامكو السعودية- نفخر اليوم بأن هذا المثلث أصله ثابتٌ ولله الحمد، وهو القاعدة الأساسية لشجرة صناعاتنا الأساسية والتحويلية والمتطورة وارفة الظلال والثمار، كما هي العلوم الأساسية الرياضيات والفيزياء والكيمياء، التي يقف عليها البحث العلمي وتنمو على روافدها الابتكارات.

ومع مستهدفات رؤية المملكة 2030 سيكون العالم على موعد مع منتجات مبهرة تحقق الاستدامة بتوفيق الله، ثم بصلابة تلك القواعد، التي تتسع في كل أرجاء الوطن والعالم.

وكما يتحدث الرواد عن المثلث الذهبي وعن ثلاثية أسئلتهم، نقف باحترام وتقدير -بعد شكر الله- لنعبر عن الشكر الجزيل والامتنان لقيادتنا الرشيدة ولكل أولئك الرواد، ومَنْ أتى بعدهم حتى اليوم. ونسجل فخرنا برواد صناعتنا ورؤيتهم الواضحة، التي جعلت الحلم حقيقة، وتركيزهم الذي عزلهم عن الأقلام المثبطة والأفكار الشاذة، وانضباطهم الذي جعلهم ينفذون المشاريع المعقدة ويديرون صفقات الأعمال بكل احترافية وحس تجاري وطني أصيل بعيدا عن تقلبات الأسواق وتذبذب الأرقام وبأفضل أساليب إدارة المخاطر.

تلكم هي السمات، التي نراها في أبناء الوطن من الواعدين ونراها حقيقة نثق بها -بعد الله- ولكنها بحاجة إلى مواصلة تحفيزهم ليعيدوا إنتاج تلك الأسئلة المهمة «لِمَ لا؟ لينطلق خيالهم بالأفكار الواعدة».. «لِمَ ليس الآن؟ لتتجدد عزيمتهم».. «لِمَ لا نحن من نصنع الفرق؟ ليأخذوا زمام المبادرة»... وسيكون أمامهم دوما بعون الله «حقيقة على هيئة حلم» كما يرى العالم حلماً كان، على هيئة حقيقة ماثلة في مدن الهيئة الملكية بالجبيل وينبع. وهنا أتذكر أن كاتب هذه السطور كان يوماً من المتدربين الصيفيين في الهيئة الملكية بمدينة ينبع الصناعية، وعشت تلك الحقيقة أيضا من خلال العمل الرسمي في طيبة الأرومة -أرامكو السعودية-، التي تدسمت يداي وعقلي وفكري بزيتها وغازها وتدثرت بمعارفها وخططها، ومن حيث لا أحتسب عدت للهيئة الملكية بالجبيل قبل ما يقارب ثلاثة أعوام لأكون على موعد مع هذه المدينة الجميلة مدينة التعلم بأهلها الكرام. ويبقى الأجمل -الآن وفي المستقبل- في مدن الهيئة الملكية للجبيل وينبع هو التميز في تركيبة رأس المال البشري -الثروة المتجددة-، التي نفخر بها وهي تواصل صناعة جودة الحياة بامتياز على كل المستويات المجتمعية والصناعية والتجارية والتعليمية والصحية والبيئية والسلامة والاستدامة، وفي جميع الظروف الطبيعية والاستثنائية من أجل الوطن وقيادته ولمزيد من الاستثمار في الإنسان ومواردنا الطبيعية، التي حبانا الله بها، ولكي لا يجف نهر العطاء والابتكار على هذه الأرض المباركة.

ولأن هيئتنا ملكية والتحديات والفرص لا تنتظر، حريٌ بنا ألا نتوقف عندما يتوقف الآخرون لقراءة تجربتنا.

@MustafaAlmahdi