هدى حسن الخضير

(أقفى بالأمس عيد وهل عيد جديد***

تسعد به الأحباب وتغرد له الطير****

بحضور كل الحبايب تكبر الفرحة وتزيد ****

واجتماع الأهل خير على خير*****)

على هذه الكلمات الرقراقة فتح الشيخ (س، م) عينيه المرهقتين من عناء الزمن، لتلتقط مسامعه تلك الكلمات الرائعة تخرج كاللؤلؤ المنثور من فم زوجته الحانية التي بلغت من العمر أرذله، بدأ ذهن الشيخ (س، م) الحائر في التفكير بترتيبات هذا اليوم الذي يمتزج فيه الفرح مع العناء في إناء واحد صنع من الأمل، الفرح بهذا اليوم الجميل يوم الزفاف، (ليلة العمر)، والعناء بإخفاء هذه الترتيبات عن أعين الدولة الساهرة، أما الأمل في هذا اليوم فهو كبير أوله أن تهنأ ابنتي بالحياة السعيدة، وثانيه أن تمر ترتيبات الزفاف دون أن تشعر بها الشرطة، فقد انتوى الشيخ (س، م) على خرق القانون ومخالفة الإجراءات الاحترازية الخاصة بالتعامل مع جائحة كورونا، ومبرره في ذلك أنها فرحة العمر لابنتي (ح س) التي اعتقد أنه سيموت قبل أن يراها عروسا في ليلة زفافها، فقد مضى بها قطار العمر بعيدا عن سن الزواج، لكن جاء العريس المنتظر لزواجها، سوف تكون أجمل عروس اليوم ولكن.....

يا فرحة ما تمت منعت أن أدعو الأهل والأحباب بسبب هذا الوباء كفانا الله وإياكم شروره، نعم إنها ما يسمونه الإجراءات الاحترازية التي لا معنى لها.

(أسعد الله صباحك يا أبي) تقطع هذه العبارة بنبرة- ذات صوت حاد- أفكار الشيخ الهرم إنه (ن س) ابن الشيخ وأخو عروس الليلة، يرد الشيخ الصباح بصوت امتزجت فيه الحيرة مع السعادة، فيدرك الابن (ن س) ما ألم بذهن الوالد من أفكار فأراد أن يهون عليه قائلا (قد جهزت كل التدابير ليمر العرس على ما يرام، الدعوات تم ايصالها للأهل والأحباب بل والأصحاب وأصحاب الأصحاب، مكان العرس في البحر بعيدا عن العيون، أشرفت بنفسي على شراء الطعام والمشروبات والذبائح حتى أنني لم أنس البخور والعود إنها ليلة العمر).

بهذه الكلمات التي رسمت للشيخ حلما جميلا يسلم فيه العروس لفارس أحلامها فقطع هذا الحلم قائلا: ليلة العمر، لكني قلق يا بني من رسالة تأتي لي على الجوال تحمل غرامة مالية كبيرة، فأنا كما تعلم لن أستطيع سدادها.

المساء الجميل، الحفل المزدحم الأنوار، الأناشيد والأشعار بذلك تم الحفل على أكمل وجه وسط فرح الجميع والقبولات تحمل أرقى التهاني بالحياة السعيدة للعروسين، لكنها تحمل أيضا جائحة خطيرة....

وتمر أيام قلائل على العرس السعيد، الشيخ كل يوم يشعر بالفخر أنه انتصر على القانون، وفي اليوم الرابع تحديدا لم يستطع الشيخ أن تفتح رسائله فقد أثقلت حرارة جسمه عينيه لدرجة أنه لا يستطع فتح عينيه ولا تحريك ساكن في جسده، حرارة مصدرها الصدر، يتألم من مرارة الوجع يقرر الابن (ن س) أن يطلب الإسعاف لينقذ والده الهرم.

(إنه فيروس كوفيد 19) هكذا صرح طبيب المختبر، بينما انشغل باقي الأطباء بتجهيز غرفة العناية المركزة وكأنهم قد عرفوا المرض قبل ظهور نتيجة المسحة المعملية.

أيتها الأسرة قد نسيتم شيئا مهما عند الاستعداد للفرح، نحن في ظل جائحة - رحمكم الله - أردت أن أسرد لكم هذه القصة من واقع خبراتي الحياتية وأوجه لكم جملة واحدة (استقيموا يرحمكم الله)، إن الهدف المنشود من تطبيق الإجراءات الاحترازية والعقوبات المالية هو حمايتك أنت، قال الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) سورة البقرة 195‘ الهلاك كل الهلاك اليوم متمثل في التجمعات التي لا تراعى فيها الإجراءات والضوابط الخاصة بالتباعد، وقد أولت حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- حفظه الله -حياة الإنسان الأهمية الكبرى من رؤية وطني 2030، فكيف يحرص ولي الأمر على حياتك وأنت تفرط فيها وقد أمرك ربك في محكم آياته بطاعته حيث قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) سورة النساء 59، تطبيقنا للقانون إنما هو دليل وعي.. فلا يمكن لنا إنكار جدية المرحلة التي يمر بها العالم اليوم. فمكافحة انتشار الوباء تنطلق من مسؤولية فردية لتكون بعدها المسؤولية الجماعية.. ومن هنا أتذكر مقولة أحد الفلاسفة (التفكير يولد من رحم المعاناة وفي زمن الاضطرابات والأزمات).

الكل اليوم يتساءل متى تخلع الكمامات ومتى نرجع لعهدنا القديم دون خوف.. لكن الأمل يحدونا في تحقيق التعايش مع هذا الوباء.

أخيرا... هل سيستمر زواج العروسين أم ستختلف الأمور وتتغير الأوضاع؟

@alkhudaiir