فيصل الخريجي يكتب:

الحوكمة بمنظورها العام مجموعة من الإجراءات، التي تضمن تلافي صدور القرارات الفردية، وتدفع نحو مشاركة ورقابة أكبر في سلطة اتخاذ القرار ما يؤدي إلى تجنب تركيز سلطة اتخاذ القرار في يد صانع القرار التقليدي (وزير، رئيس مجلس إدارة، مدير)، وذلك عبر مراحل رقابة وإشراف مستقلة ومتعددة (لجان مراجعة مالية، لجان مراجعة إدارية، إدارة مالية وقانونية ذات حصانة) تراقب مراحل صدور القرار المالي أو الإداري، وتهدف جميعها إلى الحفاظ على المنشآت والكيانات الخاصة والعامة من القرارات المتهورة، أو المخالفة لأحكام القانون، أو تلك التي تطالها شُبَه فساد، أو أخرى تتسبب بتعارض المصالح.

وينتاب الحوكمة بعض الغموض واللبس لأنها تُعَد من العلوم الإدارية والقانونية الحديثة في العالم العربي، كما يطال آليات تطبيقها والعمل بأحكامها نوع من السطحية.

ويعتقد الكثيرون في الوطن العربي كذلك أن الحوكمة مجرد ترف إداري رغم أنها تُعَد من أبرز مؤشرات النزاهة والعدالة والشفافية في المنشآت والكيانات الخاصة والعامة، وتعتبر أيضاً بمثابة علامة جودة ونقاء للوزارات والشركات والجهات، التي تطبقها بصورة احترافية صحيحة.

ولأن الحوكمة حديثة عهد في الوطن العربي كما أسلفنا؛ يتعامل البعض مع إجراءاتها الجادة كنوع من أنواع التحدي والتهديد للسلطة المركزية التقليدية، التي تحاول السيطرة على أدوات الحوكمة عن طريق البتر أو السيطرة أو تهميش الإجراء أو اللجنة أو العضو أو الإدارة وصولاً إلى حوكمة مقلمة الأظافر، ما يعني أن الحوكمة في المجتمعات العربية تحتاج إلى حماية نفسها أولاً قبل أن توفر الحماية للمنشآت والكيانات الخاصة والعامة، وذلك بتوفير حصانات قانونية لإجراءات الحوكمة وأدواتها من نفوذ وتسلط صانع القرار التقليدي، ورفع مستوى تعيينات أدوات الحوكمة لتكون الأدوات، التي تراقب وتحوكم القرار المالي والإداري والقانوني معينة من أعلى سلطات المنشأة، وتستطيع إبداء رأيها دون أن تتعرض للبتر أو التهديد أو التهميش أو التعسف أو السيطرة من قبل سلطة القرار الفردية التقليدية، وليتم بناء الهياكل الإدارية للكيانات والمنشآت بأسلوب يُعزز قيماً مُحصنة للحوكمة؛ وبذلك نوفر الحماية والحصانة لأدوات الحوكمة لتتمكن بدورها من حماية المنشآت بكل أريحية ودون مخاوف تعرضها للبتر أو التعسف أو التهميش المضاد، الذي قد يطال ممثليها وأدواتها.

@falkhereiji