فاطمة الدهمشي

ترددت كثيراً في جلب هذا الموضوع لأوراقي والحديث عنه، لأنه جداً متعب نفسياً، ولكن الأمانة الدينية والإنسانية والاجتماعية حملتني أن أتحلى بالشجاعة النفسية قبل كل شيء للحديث عن عقوق الآباء لأبنائهم، العقوق الذي انتشر كثيراً وطويلاً في مجتماعاتنا وبأشكال وصور مختلفة، عقوق الآباء للأبناء والذي جاءت أحاديث نبوية عديدة تدلل عليه وتناساها معلمونا وأئمتنا في المساجد عقودا طويلة، ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قبَّل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الحسن بن علي وعنده الأقرع التميمي جالساً، فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله ثم قال: (مَنْ لا يرحم لا يُرحم) في إشارة إلى أن ما تفعله لابنك يقدمه هو لك لاحقاً ،وحديث آخر من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين أتاه رجل يشكو إليه عقوق ابنه.... إلخ، فقال له، أجئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك، هذا دليل قطعي على أن ما يقدمه الأب هو ما يستحقه من ابنه لاحقاً، فلمَ لم تُذكر مثل هذه الأحاديث في مدارسنا حتى تتعلم الأجيال حين يصبحون آباءً؟! ولم تتحدث عنها خُطب المساجد حتى يخافوا الله الآباء ويتعظوا؟! لمَ لم يعلو منابرنا (أيها الآباء بُروا أبناءكم يبروكم فإن عققتموهم فلا تستعجبوا عقوقهم)؟! لمَ لم يتعلم الآباء كما تدين تدان، العاق بولده لا يتشدق بغضبه على ابنه وحرمانه الجنة، التي توهم بأن مفاتيحها وصكها بيده كونه أبا فقط، صمت رهيب في مجتمعنا وكأنه المحظور، الذي لا يُلامس حتى دور الرعاية، والحماية الاجتماعية صمتت عن جرائم الأبوة، التي جعلت من هذه الدور المكان الوحيد الآمن والدافئ لأجساد ولقلوب الأبناء والبنات، الذين يعانون ويأنون من بطش جبروت ذاك الذكر فقط لأنه يُدعى في حفيظة النفوس (أب)..! حتى وزاراتنا ساهمت في السابق بشكل كبير في شطر جسد الابن وقلبه إلى شطرين بتعنتها في التعامل مع الابن بنظرية المعبود، الذي لا بد من مراجعة ولي نعمته لإصدار أوراق ثبوتية له ومارس بعض الآباء ظلمه وتهميشه وتحقيره للابن تحت بنود الانتقام من الزوجة أحياناً وأحيان أخرى بسبب البرود وطولة البال والإهمال حتى ضاعت حقوق هذا الابن وتبقى معاناة هذا الابن عمر بأكمله، وقد تعاملت مع حالات كثيرة ومآسٍ عديدة للبنات والأبناء سببها الأب لا غيره، وعندما نسأل لماذا لم تدافع عن نفسك لماذا لم تقل لا حين قرر تغريقك بسيل من الديون حتى أفقدك راحتك وأفقدك القدرة على إيجاد قوت يومك، تكون الإجابة الخوف من الناس، وكلام الناس والمجتمع لا يرحم، والكثير من هذه العبارات، التي تدل على ظلم مُتوارث اجتماعياً، آباء مارسوا السلطة بكل حقد ومرض وجرم لمَ فلتوا من تجريم المجتمع لهم؟! لمَ تُجير وتنتقى كل الأحاديث النبوية لصالح الأب فقط وتُترك وتعمى البصيرة عن أحاديث تدل على وجوب رحمة الأب بأبنائه! لمَ كل القصص التي تُذكر في المجالس وتهيب فقط بتقصير الأبناء وكأن الأب شخص منزه! ذكروا الآباء بأن مَنْ زرع حصد فازرعوا أيها الآباء الحب والوفاء والأمان والذكريات الجميلة والدافئة في قلوب أبنائكم، أعيدوا صياغة خطاب الجمعة أيها المشائخ وذكّروا أن للابن حقوقا أيضاً وله حق الرحمة وحق الرعاية وحق الأمان وحق الحرية في ماله ونفسه ورأيه، أقضوا على مراتع الشر في النفوس المريضة من الآباء، البعض منهم لديه عُقد نفسية ومريض نفسي، والآخر حسود حقود غيور ولو من أبنائه. البعض من الآباء لم يجد في نفسه أباً مسؤولاً حتى الآن فكرهه أطفاله لأنهم سبب لوم المجتمع على تقصيره بهم؛ لذلك أصبح يكيد المكائد ويحيك القصص افتراءً عليهم حتى يكسب تعاطف المجتمع حوله معه، ويصرف الناس عن تقصيره مع أولاده وزوجته، فمهما حاول الأبناء والزوجة من احتوائه والصبر عليه لن يفلحوا لأن لا طلبات محددة لديه هو هكذا يعشق دور المظلوم ودور الضحية في كل أدوار حياته، البيوت أسرار وخلف مقابض الأبواب وأسوار المنازل قصص لا تطيق الأذن سماعها من شدة القهر والخوف، فرفقاً بالأبناء والبنات وأعيدوا صياغة المحاضرات الدينية والتعليمية حتى يخرج من بيننا جيل صالح للأبوة متزن ومستقر نفسياً..!

@ft_alanzy