فهد سعدون الخالدي

كان اللجوء إلى التعليم عن بعد قراراً اضطرارياً الهدف منه في حينه المحافظة على سلامة وصحة الطلبة والطالبات والمعلمين والمعلمات ومن في حكمهم، ضمن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها دول العالم في مواجهة وباء كورونا، وفي سبيل الحد من آثاره السلبية التي حصدت ملايين الأرواح في سائر أنحاء العالم. وكما كانت المملكة بشهادات منظمات دولية متخصصة في مقدمة الدول التي اتخذت إجراءات فعالة لمكافحة هذا الوباء، ونجحت والحمد لله في تخفيف آثاره، والحد من خسائره، فقد كانت الإجراءات التي اتخذتها للمحافظة على استمرار الطلاب في تلقي التعليم في مؤسسات التعليم العام والجامعي من أكثر التجارب نجاحًا، مما قلل الفاقد التعليمي بسبب التعلم عن بعد لأسباب عديدة من أهمها؛ حرص ولاة الأمر على توفير كل السبل الممكنة لإنجاح هذا التحول الإجباري في التعليم وتوفير متطلباته، وحسن إدارة وزارة التعليم والجهات الأخرى ذات الصلة بعملية التحول إلى التعليم عن بعد، وكذلك توفر البيئة التحتية بشكل كبير سواء من حيث الوسائط الإلكترونية بما في ذلك الشبكة العنكبوتية والأجهزة الذكية، وكذلك تدريب المعلمين والمعلمات وتنمية كفاءاتهم المهنية الضرورية لممارسة هذا النوع من التعلم.

ومع التحسن الواضح في الوضع الوبائي في المملكة، ونجاح جهود مواجهته إلى حد كبير ومن ذلك وصول أعداد جرعات التطعيم إلى ما يقارب عشرين مليوناً حتى الآن، والعمل الدائب إلى زيادة هذا العدد ليزيد على 80 % من أعداد المواطنين، وكذلك ما أعلن عنه عن الاتفاق بين وزارتي التعليم والصحة على تطعيم خمسة ملايين طالب وطالبة قبل موعد بدء العام الدراسي القادم –بإذن الله-، إضافة إلى عزم الوزارة على تطبيق العديد من الإجراءات الاحترازية الضرورية، وتنظيم عملية التباعد بالحدود الضرورية التي تحفظ صحة الجميع وتقيهم –إن شاء الله- شر هذا المرض. مع ذلك كله فإن مؤشرات عديدة توحي بأن التعليم سيكون مع بداية العام الدراسي القادم تعليماً وجاهياً بحيث يعود الطلبة والمعلمون إلى مدارسهم لاستئناف الدراسة كما كان معتاداً قبل الجائحة –بإذن الله- مع الاستفادة من تجربة التعليم عن بعد والتعليم المدمج، وتوظيف الممارسات الناجحة منها في تحسين عملية التعليم وتطويرها والحد من الفاقد التعليمي، كما سيمكن الاستفادة منها في الاستمرار في استخدام التقنيات الحديثة في عملية التعلم، والاستفادة من ذلك كله في الإجراءات المنوي اتخاذها بشأن تجنب كثافة أعداد الطلبة في الفصول.

إن تجربة التحول عن بعد خلال الفترة الماضية رغم أنها كانت اضطرارية ومفاجئة ولم يتم الاستعداد لمثلها قد سبق حصوله، رغم ذلك كله فقد كانت تجربة جديرة بالدراسة والبحث لاستخلاص النتائج والعبر، ومن ذلك أننا ينبغي أن نكون جاهزين في شتى مناحي الحياة لأي طارئ بحيث تكون البدائل جاهزة إذا اقتضى الحال، كما أن هذه التجربة رغم وجود جوانب سلبية تمثلت في المزايا التي تتوفر في التعليم التقليدي الحضوري، وخاصة في مجال التفاعل المباشر بين المعلم والطالب وبين الطلبة أنفسهم، وممارستهم التطبيقات العملية لبعض المواد الدراسية، وكذلك الأنشطة المدرسية التي تساهم في بناء شخصية المتعلم بكل ما فيها من التزام وضوابط نفسية وتربوية وحياتية بعيداً عن الفردية في التعلم عن بعد التي تظل تفتقر كثيراً من هذه المميزات رغم كل المحاولات لتحسين إجراءاتها والظروف المحيطة بها. والأمل بالله سبحانه وتعالى أن تكتمل كل الظروف التي تتيح لصاحب القرار الحريص على حياة الطلاب والمعلمين وذويهم أن يأخذ الإجراء الذي يحقق مصالح المجتمع بحفظ صحة أفراده وسلامتهم، وعودة أبنائه إلى مدارسهم وجامعاتهم وممارسة حياتهم الطبيعية –بإذن الله-.

@Fahad_otaish