هناء مكي

مادة أخلاقيات العمل الصحفي، ومبادئ العلاقات العامة وقواعد سلوكيات المهنة، أكثر المواد التي كرهتها في الجامعة لاحتوائها على نقاط لا تقبل السرد، ولا بد من حفظها عن ظهر قلب، وهي مهارة لم أكن أجيدها، وكانت النقاط ذات صفات سامية وجودة أخلاقية ذات طبيعة أفلاطونية، لا يمكن أن تكون واقعا، ولا يمكن بأي حال تقبل ما هو ليس بواقع، ما زاد الأمر صعوبة في تقبلي لها..

لكن من خلال الممارسة العملية، بدا لي موضوع أخلاقيات العمل أمرا حقيقيا إلى حد ما، بل يمكنني التمييز فيمن يمتلك أخلاقيات العمل ومَنْ يدعيها، لأني أتذكر تلك القواعد وأحولها لحقائق أقيسها على مَنْ حولي.

أخلاقيات العمل في بيئتنا كان يبدو لي ترفا لا يجيده إلا المنعمون بقواعد النضال الشعبوي آنذاك، أولئك الذين يحملون قضايا الأمة على ظهورهم، وأكثرهم من أجيال الأساتذة، ولأني عاصرت أساتذة كانوا من تلك المدارس، فحريّ بي أن أفهم كيف لمبدأ النضال ذاك يمكن أن يتحول لدين فرد يشكل سلوكه وأخلاقياته بعيدا عن المطمع المادي.

فالدرس الأول هو مبدأ إيمانك بصدق لقضية تصنع نضالك، وتعتنق منها مبادئك وإيمانك لهذه المبادئ، التي تشكل سلوكك وأخلاقياتك حتى في عملك.

وتلك الأخلاقيات لا يمكنك تعليمها لمَنْ ينظر لمهنته على أنها مصدره المالي فقط، الذي يستميت لزيادة حصته من الراتب بأي طريقة، فهو من الطبيعي أن يتعامل مع أخلاقياته على أنها منتج قابل للبيع، وأن عملية البيع صفقة هائلة لا يهم من المتضرر إن كان هو مَنْ سيكسب في النهاية.

تشكل المبادئ ليس بأمر يقتصر على امتهان السياسة وفكرة معارضة الحكومات وتسقيطها أو دعمها، أبدا ليست كذلك، بل أنا أرى الأمر وطنيا بحتا، فقضية حب الوطن من أسمى القضايا النضالية، أجل النضال الحقيقي هو أن يكون مبدأ خدمة قضيتك، التي تؤمن بها وتقدم وافر جهدك لها، ودائما أرى قضية الوطن، والانتماء له من أهم القضايا النضالية، التي يجب أن تشكل لنا سياسات مناهج شخصية أو عملية، سواء إن كنت طالبا في مرحلة تعليمية أو موظفا أو عاملا أو رجل أعمال أو صاحب مؤسسة، هنا يتضح حقيقة الصدق لديك، وارتباط همك الشخصي بالهم الوطني، كيف أنك تقدم إنجازك ليضيف لوطنك، لا ليحقق مكاسب ربحية وحسب، هنا تتحكم الأخلاقيات وقواعد السلوك في مهنتك، هنا يكون منهجك الذاتي هو ما يكتب خطة سيرتك الذاتية التي تقدمها، أو تقدمك، كإنجاز وطني قيّم.

وكمبتدئ أنت أمام خيارين، إما أن تختار أن تكون لديك قواعد سلوك مهنية، ومبادئ تصنع شخصيتك المستقبلية وهذه تحتاج لوقت، وإما الوصول السريع والسقوط الأسرع.

فالمبادئ وأخلاقيات العمل هي كالجذور ترسّخ قيمة العمل وتنقحه وتحميك، فلا مجال للأخطاء الكبيرة، وإن كنت في وارد الخطأ، فالصدق فيه ينجيك، وإن كان يبطئ مسيرتك ولكنك تبقى تلميذا تتعلم سلوكا كل يوم وتدخره. هنا الأمر القاضي فيه هو الصدق، فالصدق هو الفاصل في الاختيار الشخصي والسلوك المهني لأي فرد.

الصادقون وإن كان نجاحهم بطيئا ولكنه ثابت، وليس لديهم ما يخسرونه، لذا هم أكثر المتشبثين بمبادئهم وبأخلاقيات العمل في عملهم، وبالافتخار بإنجازاتهم كقيمة وطنية أو إنسانية، لا يهم إن كانوا متدينين أو من بيئة متدينة.

الفكرة، أن الصدق هو أسمى مبدأ في أخلاقيات العمل وقواعد السلوك، وفي أهداف أي مؤسسة وسياساتها، فمن خلال الصدق ستنتج الجودة والمثابرة والتفاني والسير وفق القواعد حتى إن أخطأ الفرد سيعيد الكرة بمحاولة صادقة. فالصادقون لا يقبلون على نفسهم الكذب لذا هم من أكثر الناس، الذين يمكن الاعتماد عليهم، بل إن إنتاجيتهم ذات جودة عالية.

كم وددت لو أن يتم ترسيخ مناهج أخلاقيات العمل وقواعد سلوكيات المهنة في مراحل التعليم المختلفة، لتكون منهج حياة يرددها الطالب بثقة وفهم ويطبقها في عمله.

@hana_maki00