راكان الغفيلي

إن تفشي وباء كوفيد 19 المستجد وسرعة انتشاره وتداعياته الاقتصادية التي أثرت على اقتصادات الدول والمستوى المعيشي للأفراد، كان سببا في إعادة تنظيم العلاقات التعاقدية بين الدول وبعضها البعض وبين الأفراد وبعضهم البعض أيضا، وتعتبر القرارات السيادية التي تسنها الدول من أجل مواجهة الوباء العالمي هي حجر الأساس الذي تعتمد عليه العلاقات التعاقدية، ويكمل القرارات السيادية التي تتخذها الدولة جهود القطاع الخاص وجهود الأفراد في المجتمعات التي تؤدي إلى إعادة التوازن التعاقدي، وطبقا للمادة (62) من النظام الأساسي للحكم فإنه يحق للملك أن يتخذ الإجراءات التي تكفل مواجهة الخطر الذي يواجه سلامة المملكة، ومن أبرز العقود التي تأثرت خلال فترة الوباء هي عقود العمل والمصرفية والتمويلية، ففي عقود العمل التي يستحيل تنفيذها لسبب خارج عن إرادة أطراف التعاقد فقد اعتبرها المنظم من قبيل القوة القاهرة التي تعد سببا من أسباب انتهاء العقد بالمادة (74)، وقد نظمت المادة (41) العلاقة بين العامل وصاحب العمل خلال الجائحة، وفي العقود المصرفية والتمويلية تواجه العديد من العقود بين الجهات المصرفية والتمويلية والمستفيدين العديد من العقبات بسبب تعثر السداد جراء الركود الاقتصادي الذي أصاب الاقتصاد، وفي هذه الحالة يحق للمتضرر أن يطلب من لجنة المنازعات المصرفية تأجيل سداد المديونية، وللقاضي أن يتدخل في تعديل الالتزامات التعاقدية بما يضمن مبدأ العدالة الذي يعيد التوازن بين أطراف العقد، وله تقرير فسخ العقود التي يتعذر على أطراف التعاقد تنفيذها بسبب القوة القاهرة، وللتعامل مع الآثار الاقتصادية على العقود فإنه بالنظر إلى حجم العلاقات التعاقدية التي تضررت بسبب الإجراءات الاحترازية وإغلاق الحدود وتدني العوائد الاقتصادية فإنه يجب علينا أن نرتقي في التعامل مع آثار هذا الوباء من التنظيم القانوني إلى المبادئ القانونية والفقهية الكلية التي تشمل كافة المتغيرات، وعند النظر في العقود المتأثرة بالجائحة فإنه يجب علينا أن نفرق بين العقود في مرحلة التكوين والعقود التي دخلت في حيز التنفيذ، فالعقود التي ما زالت في مرحلة التكوين فإنه على الأطراف أن يراعوا أن يتفق العقد مع الشريعة والنظام وأن يواكب التغيرات التي طرأت في الفترة الأخيرة بأن يكون العقد مرنا ودقيقا ويراعي حقوق الأطراف، وأما عن العقود التي دخلت في حيز التنفيذ فإنه ينظر إلى الالتزامات التي تم الاتفاق عليها ومن ثم نفرق بين الالتزام الجوهري الذي يعد أساسا للتعاقد والالتزام التكميلي الذي بدونه يمكن تنفيذ العقد، هنا يمكن لأطراف التعاقد التفاوض وهم على بينة من طبيعة الالتزامات فيمكن التنازل عن الالتزام التكميلي الذي يحمل عبئا على أطراف التعاقد ولا يشكل خطورة في عدم تنفيذه، والالتزام الجوهري بعد الاتفاق يمكن تعديله بحيث لا يخل بنفاذ التعاقد، وعلينا جميعا أن نتكاتف من أجل استقرار العلاقات التعاقدية في ظل الوباء.

@i_rakan010