بين الأنا الحالية والغائية.
امتدادًا للحديث السابق عن «الأنا»، وما تبين فيه من استمرارٍ لمحاولات الفلاسفة والعلماء لتأطير تلك الذات، جاء «واين داير» Wayne Dyer برؤية تجعل زيف الذات مبنيًا على صورتين، الأولى: في نظرة الشخص لذاته بأعظم من حقيقتها، فتراه ينتقد غيره لأجل الانتقاد، وينتقص مَنْ يقابله وإن توافق معه، وينسب الفضل له بقوله: (كم مرة قلت لك لا تفعل؟) أو: (أما قلت لك من قبل؟) وإن لم يقل.
والثانية: تتمثل بتعظيم نظرة الناس لذاته، وماذا يقولون عنه، فصاحبها في توتر وقلق مستمر، منشغل بغيره، فاقد لسكينته، يلبس القبيح وضيق الحذاء، فقط لأنه «ماركة»، ويحتمل هَمُّ الدَّيْن ليقتني مركبةً فارهة أو يوثق سفرة عابرة، ويخفف وزنه أو يجري تجميلا، لا ليكون صحيحًا، بل ليكون في أعين الناس جميلا -ولن يكون-، يحاول الظهور على هيئة عالم مفكر أو شيخ أو دكتور، فيثقل لسانه عند الحديث، ويتكلف العبارات ويتعمد استخدام وحشي الكلمات، وغريب المصطلحات وأجنبي المفردات.
تلك الأنا الزائفة تقلب المفاهيم والقيم رأسًا على عقب، فالعطاء عنده للحصول، ويتألم إن لم ينل، والكرامة لا تعني التعفف، بل تعني عدم التنازل: «أنا كرامتي ما تسمح لي» ويرفع بذلك صوته، الذي يصرخ لا يسمع.
فوا عجبًا لتلك الذات، التي تعد لغزا كونيا لا يكاد يجزم أحد بمعرفتها.
يقول بيكاسو: «لمعرفةِ ما سترسمه، عليك أن تبدأ بالرسم».
فماذا لو بدأنا بتلك «الأنا»، التي جئت بها يوم ولدتك أمك، وتخرج بها من الدنيا متجردًا كما جئت.
وعليه فكل ما سواها يعد زائفًا ومن «الإيجو EGO»، حتى الاسم الذي تدعى به، يعد زيفا، لأنه من صنيع والديك لك وليس من تكوين ذاتك.
فالأنا التي نريد ليست تلك «النرجسية»، التي تلبسنا الغرور كالتي أخرجت إبليس عن الطاعة: ﴿أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين﴾ وليست هي «السايكوباتية» الناقمة على غيرها كـ «أنا» فرعون، التي أهلكته: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾، فقتل بها كل صبي وُلِدَ ليبقى!.
هي ببساطة تلك التي لا ندري لماذا نتعوذ منها بقولنا: «أعوذ بالله من كلمة أنا!»، مناقضين بذلك قول حبيبنا ﷺ، الذي كررها مفاخرًا: «أنا سيد ولد آدم» و«أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبدالمطلب» وأجابه بها صاحبه على أسئلته: «من أصبح اليوم صائمًا، متبعًا، مطعمًا، عائدًا... فقال: «أنا» بلا تردد ولا تعوذ».
وكي نكون أكثر عمقًا، فلنسأل أنفسنا ثلاثة أسئلة مفصلية.
نبدأها بـ«مَنْ أنا؟» ولا أقصد الاسم ولا ما هي منجزاتي، التي حققتها فيما مضى من دراسة أو خبرات أو هوايات، أيا كانت، بل المقصود تحديدا هو ما الذي يفترض أن أكون عليه، وليس لي عذر بعدم تحقيقه، فهي الغاية أو «الأنا الغائية».
وثانيًا: «لمَ أنا الحالية لست أنا الغائية»، فإن كان من المفترض بي -بناء على واقعي وظروف حياتي- أن أكون المبدع أو التاجر أو العالم أو المنجز في مجالي، فلماذا أنا لست كذلك؟ وما الذي يحول دون تحقيقها؟ إذ يعد ذلك نقصًا وعيبًا، كما قال الأول:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا.. كنقص القادرين على التمام وثالثًا، والأهم: «كيف أكون أنا... أنا؟».
أي كيف أُمَكِّنُ «أنا الحالية» من بلوغ «أنا الغائية»، وليس ذلك على الجاد بعزيز:
فما نيل المطالب بالتمني... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
فإن واجهت ذاتك بتلك الأسئلة وتمكنت من الإجابة عنها، سيكون وقودك منك وفيك، وستجاوز كد الدنيا المجبولة على الكدر بيديك، ولن تلتفت لما قيل أو يقال، فمَنْ ظن بك لن يرضى عنك، ولن يهمك تقصير غيرك، وستنجز باقتدار ولن تنتظر التقدير أو الاعتبار، فذاتك بما اكتنزت لا بما ملكت...
@nayefcom
امتدادًا للحديث السابق عن «الأنا»، وما تبين فيه من استمرارٍ لمحاولات الفلاسفة والعلماء لتأطير تلك الذات، جاء «واين داير» Wayne Dyer برؤية تجعل زيف الذات مبنيًا على صورتين، الأولى: في نظرة الشخص لذاته بأعظم من حقيقتها، فتراه ينتقد غيره لأجل الانتقاد، وينتقص مَنْ يقابله وإن توافق معه، وينسب الفضل له بقوله: (كم مرة قلت لك لا تفعل؟) أو: (أما قلت لك من قبل؟) وإن لم يقل.
والثانية: تتمثل بتعظيم نظرة الناس لذاته، وماذا يقولون عنه، فصاحبها في توتر وقلق مستمر، منشغل بغيره، فاقد لسكينته، يلبس القبيح وضيق الحذاء، فقط لأنه «ماركة»، ويحتمل هَمُّ الدَّيْن ليقتني مركبةً فارهة أو يوثق سفرة عابرة، ويخفف وزنه أو يجري تجميلا، لا ليكون صحيحًا، بل ليكون في أعين الناس جميلا -ولن يكون-، يحاول الظهور على هيئة عالم مفكر أو شيخ أو دكتور، فيثقل لسانه عند الحديث، ويتكلف العبارات ويتعمد استخدام وحشي الكلمات، وغريب المصطلحات وأجنبي المفردات.
تلك الأنا الزائفة تقلب المفاهيم والقيم رأسًا على عقب، فالعطاء عنده للحصول، ويتألم إن لم ينل، والكرامة لا تعني التعفف، بل تعني عدم التنازل: «أنا كرامتي ما تسمح لي» ويرفع بذلك صوته، الذي يصرخ لا يسمع.
فوا عجبًا لتلك الذات، التي تعد لغزا كونيا لا يكاد يجزم أحد بمعرفتها.
يقول بيكاسو: «لمعرفةِ ما سترسمه، عليك أن تبدأ بالرسم».
فماذا لو بدأنا بتلك «الأنا»، التي جئت بها يوم ولدتك أمك، وتخرج بها من الدنيا متجردًا كما جئت.
وعليه فكل ما سواها يعد زائفًا ومن «الإيجو EGO»، حتى الاسم الذي تدعى به، يعد زيفا، لأنه من صنيع والديك لك وليس من تكوين ذاتك.
فالأنا التي نريد ليست تلك «النرجسية»، التي تلبسنا الغرور كالتي أخرجت إبليس عن الطاعة: ﴿أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين﴾ وليست هي «السايكوباتية» الناقمة على غيرها كـ «أنا» فرعون، التي أهلكته: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾، فقتل بها كل صبي وُلِدَ ليبقى!.
هي ببساطة تلك التي لا ندري لماذا نتعوذ منها بقولنا: «أعوذ بالله من كلمة أنا!»، مناقضين بذلك قول حبيبنا ﷺ، الذي كررها مفاخرًا: «أنا سيد ولد آدم» و«أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبدالمطلب» وأجابه بها صاحبه على أسئلته: «من أصبح اليوم صائمًا، متبعًا، مطعمًا، عائدًا... فقال: «أنا» بلا تردد ولا تعوذ».
وكي نكون أكثر عمقًا، فلنسأل أنفسنا ثلاثة أسئلة مفصلية.
نبدأها بـ«مَنْ أنا؟» ولا أقصد الاسم ولا ما هي منجزاتي، التي حققتها فيما مضى من دراسة أو خبرات أو هوايات، أيا كانت، بل المقصود تحديدا هو ما الذي يفترض أن أكون عليه، وليس لي عذر بعدم تحقيقه، فهي الغاية أو «الأنا الغائية».
وثانيًا: «لمَ أنا الحالية لست أنا الغائية»، فإن كان من المفترض بي -بناء على واقعي وظروف حياتي- أن أكون المبدع أو التاجر أو العالم أو المنجز في مجالي، فلماذا أنا لست كذلك؟ وما الذي يحول دون تحقيقها؟ إذ يعد ذلك نقصًا وعيبًا، كما قال الأول:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا.. كنقص القادرين على التمام وثالثًا، والأهم: «كيف أكون أنا... أنا؟».
أي كيف أُمَكِّنُ «أنا الحالية» من بلوغ «أنا الغائية»، وليس ذلك على الجاد بعزيز:
فما نيل المطالب بالتمني... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
فإن واجهت ذاتك بتلك الأسئلة وتمكنت من الإجابة عنها، سيكون وقودك منك وفيك، وستجاوز كد الدنيا المجبولة على الكدر بيديك، ولن تلتفت لما قيل أو يقال، فمَنْ ظن بك لن يرضى عنك، ولن يهمك تقصير غيرك، وستنجز باقتدار ولن تنتظر التقدير أو الاعتبار، فذاتك بما اكتنزت لا بما ملكت...
@nayefcom