صحيفة اليوم

د. محمد نور الدين السبعاوي

المدينة كالكائن العضوي تعيش وتنمو وتتطور وتتسع مساحتها، ومع هذا النمو تحتاج الى عمليات التنفس، من خلال رئاتها التي تتمثل في الحدائق والمتنزهات والأشجار والمساحات الخضراء والمسطحات المائية وهي المصدر الأساسي لتجدد هواء المدن وضخ كميات الأكسجين التي تحتاجها لمواجهة آثار الملوثات الضارة التي يطلقها النشاط الصناعي الذي يمارس في بعض الأحياء السكنية والذي ينجم عنه حرق الأكسجين واطلاق اول وثاني اكسيد الكربون وغيرها من المواد الضارة.كما ان النشاط المنبعث من الاستخدامات المنزلية لمصادر الطاقة المختلفة من فحم وبترول وكهرباء سواء في اعداد الطعام او استخدام اجهزة التدفئة او التبريد او الانشطة المختلفة تسهم هي الاخرى في زيادة تركيز نسب الملوثات البيئية التي تصبح معها للزراعات والاشجار والخضرة اهمية اكبر في تحقيق التوازن البيئي وتعويض الفاقد من الاكسجين نتيجة لهذه الأنشطة. وفي مثل هذه الحالات يصبح الاهتمام بتشييد المتنزهات والحدائق داخل المدن وبمساحات تناسب التجمعات السكانية ضرورة من الضروريات المهمة التي يجب ان تهتم بها مرافق التخطيط الاقليمي وتخطيط المدن لتجنب حدوث الاختناقات والتسمم، كما يصبح الاهتمام باختيار الأنواع من الأشجار المزهرة طوال العام لزراعتها خاصة في الجزر الفاصلة بين الطرق والمساحات الفضاء من أسس ومبادئ التخطيط الصحيح للمدن خاصة في البيئات الصحراوية التي يكثر بها النشاط الصناعي او التي تتأثر بكثافة عالية من عوادم السيارات. وحيث تكون للظلال التي توفرها هذه الأشجار قيمة لا تقدر بثمن. ومن الأمور التي تدعو للأسف ان تجد الوعي بأهمية هذه الثروة من الأشجار منعدما في البيئات الصحراوية التي يشح فيها الماء وترتفع فيها درجة الحرارة.ومهما كانت الأسباب والمبررات الداعية الى ازالة هذا الغطاء من النبات الطبيعي لاقامة مرافق او بناء مبان او تشييد منشآت فان هذا لا يعد مبررا لازالته خاصة داخل المدن، فالبدائل لتغيير خطوط هذه المرافق عديدة بما يسمح بالابقاء على هذه الثروة التي تمثل قيمة وتاريخا، وأضرب لذلك مثالا واحدا فقط وليس وحيدا لما حدث في مدينة الخبر مطلع هذا العام من ازالة حديقة الميدان المقابلة لعمارة الخليج في قلب مدينة الخبر التجاري، وكان بها عدد من الأشجار ذات القيمة التاريخية التي تمثل رمزا للمدينة، وذلك بهدف رصف الطريق وزيادة اتساعه لتزداد فيه نسبة الملوثات وعادم السيارات في الوقت الذي كان من الممكن ان يقام هذا الطريق خارج المدينة بنظام الطريق الدائري Circle road الذي يتجنب المرور داخل المدينة كما يتجنب زيادة نسبة التلوث بها، وقد خسرت المدينة رئة من رئاتها التي تتنفس من خلالها بازالة هذه الحديقة والخضرة التي كانت تضفي على المكان بهاء وجمالا، فالى متى نفرط في مظاهر بيئتنا الطبيعية الجميلة وثروتنا من الأشجار التي يصعب تعويضها في بيئة صحراوية مجدبة لا تتيح الفرصة لتكرار ما فقدناه.