د ب أ - واشنطن

تمتلك كوريا الجنوبية المال والأدوات اللازمة التي تجعلها «قوة وسطى»، وهو مصطلح يشير في العلاقات الدولية إلى الدول ذات السيادة، التي تتمتع بتأثير كبير أو لا بأس به، إضافةً إلى الاعتراف الدولي بها، رغم أنها ليست دولة كبرى، وفي حقيقة الأمر لا يرغب المواطنون الكوريون الجنوبيون في أن تنفق الدولة أموالًا على أمور لا ترتبط بمصالحهم المباشرة.

ويتساءل أندريه لانكوف، الأستاذ بجامعة كوكمين في سول، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأمريكية، متسائلا: هل كوريا الجنوبية قوة وسطى؟ ويرد قائلا: قد يكون من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لا سيما أن مصطلح «القوة الوسطى» يعد غامضًا إلى حد ما وغير محدد بشكل جيد، ويقول إنه مع ذلك، ليس هناك شك في أن الكوريين الجنوبيين ينظرون الآن بوضوح إلى أنفسهم كقوة وسطى ويحاولون التصرف وفقا لذلك.

ويضيف لانكوف: في الواقع هناك شعور بالانتصار يعم أجواء سول في السنوات القليلة الماضية، خاصة بين العديد من مؤيدي إدارة «مون جاي إن» ذات الميول اليسارية، وتكتب وسائل الإعلام عن الانتشار العالمي الجديد لكوريا الجنوبية، وأصبح الكتاب الذي يحمل عنوان «عصر التجاوز» من أكثر الكتب مبيعا، ومن بين أشياء أخرى يؤكد الكتاب أن كوريا الجنوبية لم تعد تسعى للحاق بالعالم المتقدم ولكنها تتفوق على بعض الأطراف الفاعلة الدولية الرئيسة.

ويرى لانكوف أنه من المحتمل أن نرى أن كوريا الجنوبية قوة وسطى ضيقة النطاق بشكل ملحوظ، وليست مهتمة كثيرًا بما يبتعد كثيرًا عن حدودها، وليست حريصة جدًا على تحمّل المسؤوليات عن القضايا التي لا تراها ذات صلة بمخاوفها المباشرة.

وخلافًا لمعظم القوى الوسطى (وليس كلها) فهي ليست محاطة بجيران وحلفاء متعاطفين، وعليها أن تلوم نفسها جزئيًا، وتحالفها الوحيد هو مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن هذا التحالف مهم جدا ويحظى بشعبية كبيرة داخل البلاد.

ومن الناحية المنطقية، يتوقع المرء أن تكون كوريا الجنوبية على علاقة جيدة مع ديمقراطيتين زميلتين قريبتين، هما اليابان وتايوان، ولكن الأمر ليس كذلك، كما أن الحليف الرسمي لكوريا الجنوبية ليس كذلك، إن العلاقات مع اليابان مشوبة بخلافات لا نهاية لها حول الماضي الاستعماري بشكل أكثر كثافة وإحساسًا مما تدركه معظم الجهات الخارجية، كما أن علاقاتها مع تايوان بعيدة بشكل ملحوظ، ربما خوفًا من التعقيدات المحتملة مع الصين، التي كانت لفترة طويلة الشريك التجاري الرئيس لاقتصاد كوريا الجنوبية القائم على التصدير.

كما أن اتجاهات «الاستبداد العظيم» في الصين ليست أمرًا صديقًا لسول أيضًا.

ومن المعروف أن ذلك البلد يتردد في قبول اللاجئين أو منح حقوق الإقامة للمهاجرين، وبداية من 2018، كان معدل قبول اللاجئين 3%، وهو مستوى منخفض جدًا بالنسبة لدولة متقدمة.

وبعبارة أخرى، قد يكون لدى كوريا الجنوبية المال والأدوات اللازمة لتكون قوة وسطى، ولكن مجتمعها لا يزال يفتقر إلى الرؤية العالمية والشعور بالمسؤوليات العالمية.

ومن المرجح أن تظل معظم التعهدات والمبادرات العالمية للبلاد ديكورية ورمزية.

والواقع أن الكوريين الجنوبيين يحبون في الوقت الحاضر أن يتوهموا أنفسهم كقوة وسطى ذات نطاق عالمي، ولكنَّ الناخبين ودافعي الضرائب في كوريا الجنوبية ما زالوا مترددين في رؤية موارد كبيرة تستخدم في قضايا لا ترتبط بوضوح بمصالحهم ومصالح بلادهم المباشرة.