غنية الغافري

بحسب علم النفس فإن اضطراب التشوه الجسمي يكون نتيجة تشوه طبيعي يتفاقم، وتظهر أعراضه عادة في سن المراهقة أو سن البلوغ المبكر، حينما تظهر الانتقادات الشخصية لمظهر الإنسان فيتسبب هذا التشوه باضطرابات نفسية وسلوكيات مختلفة قد تؤدي إلى الإفراط في عمليات التجميل أو تكثيف استخدام أدواته، وقد يكون هذا التشوه وهميا نتيجة التفحص الدائم للجسد ومقارنته بالآخرين والتدقيق في بعض التفاصيل خاصة مع هوس استعراض الجسد الذي لم يقتصر على النساء بل حتى الرجال.

لكن الغريب أن يولد الإنسان وقد أحسن الله خلقته، فيعمد إلى تشويهها! بحجة الوصول إلى أعلى درجة من مقاييس الجمال! فتتحول البراءة إلى ملامح غليظة منتفخة مصطنعة! فيضطرب الشكل الحقيقي ويغض المشوه الطرف عن هذا التغيير الممقوت في ثقة ليست في محلها! فالشفاه الجميلة المتناسقة مع تفاصيل الوجه يتم تكبيرها ولويها بشكل منفر وتمط الحواجب لتصل إلى قمة الجبهة وترفع الخدود لتصبح كأنها وجنات آسيوية ويحد الذقن ليصبح كأنه قمة أفرست! فإذا ركزت المشهورة المستعرضة وهي غالبا القدوة في هذا المجال على شاشة جوالك باغتتك شفاهها المنتفخة كقنابل موقوتة! وتلاشت فوارق الشكل وأصبحت الوجوه كأنها «يونيفورم» موحد!! بمقاييس واحدة وشخصيا أعرف شخصية من عائلة وهبهم الله جمالا ولطافة في الهيئة، فلعبت بهبة الله وانتكست وهي تظن أنها واكبت الموضة بحذافيرها، ورغم تفحص الناظرين لها ومحاولة التواري في نظراتهم فإن ضخامة ملامحها تجبرهم على التحملق البريء و«يا جبل ما يهزك ريح»، بل وأصبحت تعطي ملاحظات لكل من تراه فهذا يحتاج إلى تعديل أنف، وهذا يحتاج إلى قص جفون، وهكذا حتى تجعل السامع يشك في خلقته! ولم يقتصر التشوه على الجزء العلوي من الجسد بل تعداه إلى الأجزاء السفلية، والتي تعمد المتشوهة إلى إبرازه بشتى الطرق، وإذا سلمنا بأن الجمال يتركز في الوجه وأن المرأة مجبولة على التجمل وحب الزينة وإظهارها فلمن تظهر تلك الأجزاء!! ويظهر هذا جليا لدى بعض المشهورات بحركات مزعجة للعين! يتقلبن يمينا وشمالا بحركات عفوية كما يدعين! ويخفين أن عملياتهن مجانا يقدمن فيه طُعما للمقلدين! ويصفن طبيبهن الحاذق الذي أصلح (الخرابات)!! وكأنها إحدى المعدات التالفة التي تعرضت للسمكرة والنحت والتعبئة! في حين تصر البعض منهن على أن انتفاخاتها الـ (أوفر) (تبيئية) أي طبيعية ولكن بلغتهن الناعسة! وهذا الاستعراض لا يليق وخادش للحياء خاصة إذا ركز «الزوم» عليها!! فهو إما بهدف استمالة الجنس الآخر والغضب والشتم للمتحرشين (المرغمين) الذين استقطبتهم الحركات والملابس الداعمة لها أو الانفراد بشكل شاذ ومشوه يزيد المتابعين ويفتح مجالا للنقاش وصناعة محتوى لا يحتوي على محتوى! المشكلة أن المتجملين النصابين يرددون «نتجمل لأنفسنا مو لأحد»!! إن التجميل بصفة عامة - إذا لم يكن له سبب كمرض وتشوه حقيقي أو محاولة تصابي أو تجمل للزوج وكسر عينه كما يقال - فهو ترف واهتزاز للثقة وهدر للمال وهوس. إن الشباب المقبلين على الزواج اليوم مساكين لأن زوجات المستقبل خسفن بالمعايير الشكلية الحقيقية التي يريدها الشاب لفتاة أحلامه واقترفن منكرا في حق الثقة بذاتهن واستعرن قناعا لحقيقتهن، ومن الواجب تعبئة نموذج «إفصاح»! عن أي تغيير تستحدثه الفتاة قبل الزواج حتى لا يُظهر نسله حقيقة الغش أو ينقشع الغلاف المزيف مع تقدم العمر، وعلى كل فتاة ألا ترفع سقف توقعاتها في جمالها المنتظر فليس كل طبيب قادر على تحقيق أحلامها وكم من حالة كان التجميل وبالا عليها وبابا فُتح ولم يغلق، ورغم ما ذكرت فالإنسان حر في قراراته وقناعاته، لكن لنعش السلام الداخلي مع أنفسنا والثقة بذواتنا ولنستمتع بكل مراحل حياتنا بما فيها من تحولات ولنتوقف عن زيادة عدد «المومياوات»، فباب التجميل إذا فُتح لن يغلق وشركات معدات التجميل وعياداتها لن تتوقف عن استنزاف المهوسين وأخيرا: ليس الجمال بأثوابٍ تزينننا إن الجمال جمال العلم والأدب.

@ghannia