عبدالعزيز العمري، نورة العبدلي، أهوان الأسمري - جدة، الدمام

قبل أن يتحول لـ«كرة ثلج».. تفعيل العقوبات ورفع الوعي ضرورة لمواجهة الظاهرة

أكد مختصون ومواطنون، أن الاعتداء على الممارسين الصحيين والإداريين في المستشفيات والمراكز الطبية، من السلوكيات المشينة، التي يجب معالجتها من خلال التوعية وتشديد العقوبات، مشيرين إلى أن الظاهرة غالبا ما تكون بسبب طول الانتظار أو عدم تقديم الخدمة بشكل سريع، بالإضافة لعدم معرفة حقوق الممارس والتهاون فيها، وهو ما يتطلب التدخل؛ لعلاج الظاهرة بشكل سريع من خلال عدة طرق من بينها: رفع مستوى التثقيف، وتدريب موظفي الاستقبال على تهدئة الموقف وامتصاص غضب المستفيدين، وليس الاكتفاء بالعقوبة وحدها.

وأوضحوا في حديثهم لـ «اليوم»، أن أبرز أسباب غضب المراجعين، تشمل تسرعهم والنظر إلى حالة مريضهم باعتبارها الأهم، على الرغم من أن هناك حالات أخرى تكون أكثر خطورة، وتحتاج لتدخل عاجل، وهو ما يولد شرارة الغضب لديهم، وبالتالي يجب نشر التوعية بحقوق المرضى والكوادر الصحية على حد سواء.

دعم الصحة النفسية في بيئة العمل

بين الاستشاري المشارك في الطب النفسي د. عبدالله الطحيني، أن جميع العاملين في الدوائر الحكومية وغيرها عرضة للاعتداء واستخدام العنف من قبل المراجعين، ولا يمكن حصر الأسباب، ولكن من أهمها: غياب أو ضعف مهارات التواصل لدى الموظفين وضعف معرفة كيفية التعامل مع المراجعين بكافة سماتهم الشخصية.

وأضاف إن أهم تلك المهارات «الحد من التصعيد»، مشيرا إلى أن بعض المنشآت تعاني غياب التنظيم الداخلي، من جهة المواعيد والطوابير المنظمة وغيرها، وتعطيل بعض المصالح والمعاملات لفترات طويلة أو تصعيب الإجراءات، إضافة إلى تولد ما يعرف بالاحتراق الوظيفي، لدى بعض العاملين، أدى لتراجع مستوياتهم سواء في الإنجاز أو في التعامل مع الآخرين، كما أن هناك أسبابا تعود للمراجع نفسه من طبيعة شخصيته ونشأته. وقال «هناك مفهوم مجتمعي عند البعض أنه لن تنتهي معاملته إلا إذا استخدم اللسان السليط والعنف والتهديد».

وذكر «الطحيني» طرق معالجة هذه المشكلة من بينها: اهتمام المنشآت بالصحة النفسية لدى الموظف وتقليل معدلات الاحتراق الوظيفي من خلال استبيانات دورية، وتوفير بيئة العمل الصحية الجاذبة، وعدم تحميل الموظفين أعباء فوق طاقتهم، والتحقق من أسباب تراجع أداء كل موظف وهل خلفه عامل نفسي أم لا، إلى جانب حث من يعاني من «احتراق وظيفي»، على مراجعة مختص نفسي؛ لمساعدته في إيقاف تفاقم الحالة والعمل على حلها، التوعية عن الصحة النفسية في بيئة العمل، إعطاء دورات في مهارات التواصل، مكافأة وتشجيع المتميز وغيرها من السبل الصحية الفعالة.

‏وقال: كل منشأة مسؤولة عن حماية موظفيها وخلق رادع للمراجعين ضد استخدامهم العنف أو الإساءة بأي شكل من الأشكال وهو موجود حاليا في الكثير من المنشآت، كما أن تنظيم العمل مهم جدا؛ لتحسين الخدمة وتفادي غضب المراجعين.

فهم آليات وقوانين العمل

ذكر طبيب زمالة الأمراض المعدية بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، د. عليان آل عليان، أن ظاهرة الاعتداء على الممارسين الصحيين، سواء كانت لفظية أو جسدية، تنعكس سلبا، على القطاع بأكمله، مشيرا إلى أن زيادتها تؤدي إلى قلة إنتاجية الممارس؛ بسبب وقوعه تحت الكثير من الضغوطات والعمل في بيئة غير آمنة.

وقال إن انتشار الكثير من المفاهيم الخاطئة ضد الممارسين الصحيين وعدم الفهم الصحيح لآليات وقوانين العمل، أحد أهم الأسباب لحدوث مثل هذه الاعتداءات زيادة على ذلك كثرة الشائعات والقصص المختلقة ضد هذا الكادر، مشيرا إلى أن الجهات المسؤولة نفذت إجراءات هامة؛ لحماية جميع منسوبي هذا القطاع الصحي، بفرض عقوبات رادعة ضد أي اعتداء لفظي أو جسدي على الممارس الصحي واعتبارها جريمة تعرض صاحبها للعقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات أو غرامة تصل إلى مليون ريال، وفي حال تفعيل هذا النظام بشكل صارم، فإننا سنشهد انخفاض الظاهرة واختفاءها.

عقوبات تصل للسجن 10 سنوات وغرامة مليون ريال

بين المحامي والمستشار القانوني د. يوسف الجبر، أن استعمال العنف مع الممارسين الصحيين والإداريين في المنشآت الصحية، دليل على الإفلاس الداخلي للإنسان، وتجرده من القيم الأخلاقية، وعدم احترامه للنظام، فلو كان هناك ضمير حي لدى المعتدي لمنعه من التعرض لإنسان مسالم يؤدي عمله حسب التوجيهات التي تصل إليه، والإمكانات المتاحة له، ولكن الاندفاع المتهور والغضب المتفجر يحولان هذا المراجع إلى كائن قاسي الطبع ومؤذ لمن حوله.

وأشار د. الجبر، إلى أن هناك ما يسمى بالعنف التعويضي عندما يتعرض الإنسان لفشل أو إحباط، فيعوض ذلك بممارسة العنف مع من حوله، وقد يكون المعتدي من هذا الصنف.

وقال إن القانون إحدى وسائل الضبط الاجتماعي، ومتى فعلت العقوبات وأعلن عنها فسوف تشكل سور حماية للضحايا المحتملين، وقالوا قديما: «إذا ساد النظام عم السلام»، ومهما كانت المبررات لدى المراجع فلا يقبل منه أن يمارس العنف ضد الآخرين، فهو سلوك شاذ ومجرم، وعواقبه وخيمة وآثاره سيئة، ويمكن للمراجع أن يتقدم بشكوى لدى المسؤول المختص في حال رصد تقصير من الممارس الصحي أو الإداري، ومتابعة الشكوى حتى تتحقق النتيجة، أما استعمال القوة فهو منهج غير حضاري ولا أخلاقي، متمنيا في الوقت نفسه من الممارسين الصحيين احتواء المواقف المتشنجة وعدم التصادم مع المراجعين من هذا النوع، وهو فن له أصوله وقواعده التي يمكن تلقيها في دورات متخصصة، وعليهم استحضار حال المراجع الذي يعاني وجعا مبرحا أو مهموما لحال مريضه الذي يرعاه، فطمأنته ومحاورته بالحكمة تؤتي أكلها وتطفئ فتيل شعلة الصراع.

وفيما يخص القوانين التي تحفظ للممارسين الصحيين والإداريين في المنشآت الصحية حقوقهم، ذكر «الجبر» أنه لا توجد مادة محددة لعقوبة الاعتداء على الممارس الصحي، إلا أن الاعتداء لفظيا أو جسديا جريمة موجبة لعقوبات تصل إلى السجن 10 سنوات وغرامة مالية لا تزيد على مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، وهي عقوبة مستفادة من نظام مكافحة الرشوة، إذ نصت المادة السابعة منه على أن من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد في حق موظف عام ليحصل منه على قضاء أمر غير مشروع أو امتناع عن واجب فيعاقب بهذه العقوبة، ومعنى ذلك أن حالات كثيرة لن تنطبق عليها المادة، لأن المعتدي فيها لا يجبر الممارس الصحي أو الإداري على أمر غير مشروع ولكن يتصرف بعنف تجاهه لوقوع سوء فهم أو انتقام من تصرف سابق، فلذلك لا بد من التصدي لهذا الفراغ بتشريع يعالج واقعة الاعتداء على الممارس الصحي والإداري، وتفصيل حالات ذلك ودرجاته، وفرض العقوبات المناسبة بطريقة تفريد العقاب.

وأشار إلى أن ما يطبق حاليا من عقوبات على المعتدين ما ورد بالمادة السابعة من نظام مكافحة الرشوة، فيعاقب المعتدي بالسجن لمدة لا تتجاوز عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويرجع التقدير للقاضي حسب قوة الإثبات وحجم الجريمة وآثارها وتكرارها، وما لا ينطبق عليه ذلك فتكون عقوبته تعزيرية، بمعنى يفرض القاضي فيها ما يراه رادعا للجاني من سجن.

عقوبة «تعزيرية» بحسب كل حالة

أوضح المحامي والمستشار القانوني محمد الشهراني، أن تلفظ المراجع أو المريض على الممارس الصحي بألفاظ مسيئة، يعتبر مخالفة للنظام العام، ومبادئ الشريعة الإسلامية، وعقوبة هذا التصرف المشين «تعزيرية»، يقدرها القاضي الجنائي بحسب كل حالة، موضحا أن الممارس الصحي يعتبر موظفا عاما يقدم خدمة إنسانية إلى المجتمع، وبالتالي فإن تشديد العقوبة يكون بحسب كل حالة.

تفهم حجم المسؤولية والضغوط

أكد المواطن علي الغامدي، أن الاعتداء على الممارسين الصحيين والكوادر الإدارية في المستشفيات من السلوكيات المشينة التي يجب التصدي لها بحزم؛ لعدم تكرارها خصوصا في المستشفيات التي تقدم العلاج للمرضى.

وقال إنه لا بد من تفهم الجميع حجم المسؤولية والضغوط الملقاة على عاتق الكوادر الطبية، وأن الطبيب أو الممارس الصحي، يستقبل المريض وفق الأولوية وحالة المريض.

التوعية بحق المريض والكوادر الطبية

قالت أخصائي التمريض رحمة الشهراني: إن الاعتداء على الممارسين الصحيين والإداريين في المستشفيات والمراكز الطبية، سلوك موجود، ولكنه ليس منتشرا، ولا شك أن المجتمع بحاجة إلى توعية بشكل دائم بحقوق الممارسين الصحيين بكافة فئاتهم، تماما مثل التوعية بحقوق المرضى والتشديد عليها.

وأشارت إلى ضعف بعض إدارات المستشفيات والمراكز الطبية التي تهمل حق الممارس الصحي، أمام المرضى وذويهم، مما يشجع البعض على التجاوز بحق الكوادر الطبية والإدارية في المستشفيات.

قوانين صارمة لردع المخالفين

قالت المواطنة إيمان الفرج: إن الاعتداء على الممارسين الصحيين مرفوض تماما، لأن الكوادر الطبية شريان هام ولا غنى عنه في بناء وسير الحياة الكريمة في أي مكان، مشيرة إلى أن الممارسين الصحيين يخاطرون بحياتهم وحياة عوائلهم لأجل راحة المواطنين والمقيمين على حد سواء، ويستحقون منا جل الاحترام والتقدير والثناء، وما يحدث ونراه بين الآونة والأخرى من اعتداءات لفظية أو بدنية عليهم من بعض المراجعين ومرافقيهم، سببه قلة وعي المعتدي ونظرته القاصرة للأمور.

ورأت أنه للحد من هذا السلوك غير المقبول، فمن الضروري وضع قوانين صارمة لردع مثل هذا التصرف ولحماية من يسهرون على راحة المجتمع.

تغير نظرة المستفيدين

بين المتحدث الرسمي لتجمع مكة المكرمة الصحي حاتم المسعودي، أن العاملين في القطاعات الصحية، يواجهون ضغوطا على مدار الساعة، ولا يألون جهدا في تقديم ومد يد العون للمحتاجين من المرضى ومساعدة ذويهم خصوصا في أقسام الطوارئ، مشيرا إلى أن الكثير من المراجعين ينظرون إلى حالة مريضهم باعتبارها الأهم، على الرغم من أن هناك حالات أخرى تكون أكثر خطورة، وتحتاج لتدخل عاجل.

وأضاف: إن هذا التصرف نتيجة سوء فهم لدى البعض، ويتسبب في تلفظ البعض منهم بكلمات نابية، أو الاعتداء على الممارسين الصحيين أثناء تأدية عملهم، مشيرا إلى أن النظام كفل للجميع الحق في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة وفق حالة كل مريض، كما كفل حق الممارس الصحي وحمايته من أي اعتداء.

وذكر «المسعودي» أن القطاعات الصحية كافة تحرص على سلامة المرضى ومنسوبيها ولا تقبل بأي حال من الأحوال المساس بهم أو الاعتداء عليهم لفظيا وجسديا، ولا تألو جهدا في سبيل حماية المرضى ومنسوبيها وكوادرها واتخاذ الإجراءات النظامية ضد أي تجاوز.

إبراز لوائح العقوبات بالمنشآت الصحية

أوضحت أخصائي التمريض شرف بصامي، أن الممارسين الصحيين بالمستشفيات، يواجهون الكثير من التحديات، أثناء خدمة المرضى، من بينها كثرة المراجعين لعدد من التخصصات وأقسام الطوارئ مما يؤدي، في بعض الأحيان، إلى الزحام، وهو ما تتم معالجته، من خلال عيادات الفرز، للتعامل مع الحالات الطارئة حسب الأولوية.

وقالت إن الاعتداء على الممارسين الصحيين غالبا ما يكون بسبب طول الانتظار أو عدم تقديم الخدمة بشكل سريع، بالإضافة لعدم معرفة حقوق الممارس والتهاون فيها.

واقترحت «بصامي»، وضع اللوائح التي تنص على العقوبات لمن يتطاول على الممارس الصحي في كافة أرجاء الجهات الطبية وتنفيذ توعية شاملة للمجتمع؛ للحد من هذه السلوكيات غير الحضارية، والتعريف بالحقوق والواجبات للممارسين الصحيين والمرضى وذويهم، وتوضيح نوعية الخدمات ووقت الحصول عليها للمستفيدين، إضافة إلى توضيح عدد حالات الطوارئ والأطباء المناوبين.

==========================

الأسباب:

المفاهيم الخاطئة ضد الممارسين الصحيين

كثرة الشائعات والقصص المختلقة ضد الكادر الطبي

ضعف بعض إدارات المستشفيات والمراكز في حماية منسوبيها

ضغوط العمل وكثرة المراجعين وطول الانتظار

غياب أو ضعف مهارات التواصل لدى الموظفين

مقترحات:

توعية بحقوق الممارسين الصحيين بكافة فئاتهم

وضع لوائح العقوبات بالجهات الطبية

توضيح نوعية الخدمة ووقت الحصول عليها حسب الحالات الطارئة

دورات في مهارات التواصل وامتصاص غضب المراجعين

اهتمام المنشآت بالصحة النفسية للموظف وتنظيم العمل