د. عبدالله محمد القرني

تقنية النانو (Nano Technology) أو تقنية المواد المتناهية الصغر هي واحدة من أهم اكتشافات عصرنا الحديث والتي ساهمت في خلق ثورة علمية وتكنولوجية جديدة ومن المتوقع أن تحقق قفزات هائلة واختراعات فريدة في مجالات عدة تشمل الطب والهندسة وعلم المواد وغيرها من العلوم.

تعرف هذه التقنية على أنها العلم الذي يدرس خصائص وتراكيب وتصنيع المواد في مستويات صغيرة جدا جدا تسمى مستويات قياس النانو، ومصطلح «نانو Nano» هي وحدة قياس تساوي جزءا من المليار من المتر (1x10-9 م) ولذلك إطلاقها عليها أيضا اسم «تقنية المواد المتناهية الصغر» وحتى نستطيع تخيل هذا المقياس الصغير جدا فهو يساوي تقريبا جزءا من 80 ألف جزء من قطر شعرة الرأس !!!. ويعتبر الياباني نوريو تانيغوشي (Taniguchi Norio) هو أول من استخدم مصطلح تقنية النانو في العام عام 1974م.

وقد وجد الباحثون أن خصائص المواد الفيزيائية والكيميائية في مستويات النانو مختلفة تماما مقارنة مع خصائصها في مستويات الأحجام الكبيرة للمواد من نفس النوع وذلك بسبب تغير التفاعلات بين الذرات في هذه المستويات المتناهية الصغر وصعوبة السيطرة عليها وبذلك قد لا تنطبق عليها القوانين التي تنطبق على المواد ذات الأحجام الكبيرة.

تاريخيا يعد المسلمون هم أول من اكتشف هذه التقنية حيث اشتهر القائد صلاح الدين الأيوبي بسيفه الدمشقي الذي كان يحمل مواصفات خاصة مثل طوله وخفة وزنه ومرونته وجودته العالية والأهم من ذلك أنه كان حادا إلى درجة أنه كان يقسم الشعرة إلى نصفين إذا وقعت على نصله، والسر في ذلك هو ما اكتشفه الباحث الألماني بيتر بوفلر في العام 2006م بعد أن أجرى عددا من الاختبارات العلمية واستخدم المجهر الإلكتروني حيث أثبتت كل هذه الاختبارات أن هذا السيف مصنوع من مواد نانوية تسمى أنابيب كربونية متناهية الصغر (Carbon Nanotubes) وهي أحد أنواع المواد النانوية المكتشفة حديثا كما سنرى لاحقا.

أما في العصر الحديث فيعتبر الفيزيائي ريتشارد فيمان أول من تحدث عن هذه التقنية في محاضرة بعنوان «هنالك مساحة واسعة في الأسفل» وذلك في العام 1959م. كما استطاع العالم الفلسطيني منير نايفة في العام 1976م اكتشاف طريقة تسمى التأين الرنيني لتصوير الذرات منفردة ويعتبر هذا الاكتشاف من أهم الاكتشافات التي ساهمت في تطور تقنية النانو بشكل كبير. ووصولا إلى العام 1981م والذي اخترع فيه العالمان جيرد بينج وهنريك روهر المجهر النفقي الماسح (Scanning Tunneling Microscope) والذي بواسطته تم تصوير الأجسام في أحجام النانو حيث كان له دور بارز في ازدهار دراسة وتصنيع المواد والتراكيب النانوية وقد عزز هذا الاختراع من حصول العالمين على جائزة نوبل في الفيزياء في العام 1986م.

بينما يعتبر العام 1991م هو البداية الحقيقية لعصر تقنية النانو وذلك عندما استطاع العالم الياباني سوميو ليجيما (Sumio Iijima) تصنيع أنابيب الكربون النانوية والتي تعد من أشهر أنواع المواد النانوية وهي عبارة عن أنابيب أسطوانية مجوفة قطرها بضعة نانومترات ومصنوعة من شرائح الجرافيت، وقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن هذه المواد تحمل خصائص فريدة قياسا بوزنها الخفيف جدا حيث بدأت تستخدم في مجالات مختلفة وكثيرة لتعزيز خصائص المواد الفيزيائية والكيميائية والكهربائية.

ختاما فإن لتقنية النانو تطبيقات مختلفة وذات نطاق واسع في العديد من المجالات وقد أبهرت الباحثين نظير ما ساهمت به في تعزيز خصائص المواد التي أضيفت لها ومكنتها من أداء وظائف معقدة وفريدة لعلنا نستعرضها في مقالات قادمة ومنفصلة بإذن الله.

(@abolubna95)