أروى المزاحم

منذ فترة أسبوع تقريبا فارق والد أعز صديقة لي الحياة إثر سكتة أصابت قلبه، وكأي شخص غال علي بادرت في تعزيتها ومواساتها، ولكن لم تكن العبارات ولا الدموع ولا الأحضان ولا أي شيء آخر كفيلا بأن يهدئ ألم الفقد سوى حديث باشرت في ارتجاله صديقة أخرى لنا، وهي التي عاشت تفاصيل هذا المصاب الجلل ومرارة إحساس الفقد منذ فترة من الزمن، كلمات نعلمها جميعنا جيدا ولكنها تغيب عن أذهاننا في مثل هذه اللحظات الصعبة، ومما يحضرني من كلماتها التي قالتها: إن باب البر ما زال مفتوحا، من دعاء تسألين به الله لأجله فرب دعوة صادقة تقرع باب السماء يكون بها تفريج كربة لفقيدك، لطالما كان الدعاء يخفف عن الأموات في القبور، كذلك بذل الصدقة من أجلهم، وقضاء ما عليهم من دين إبراء لذمتهم، كما أن الاستغفار خاصة للوالدين المتوفيين، وإنفاذ وصيتهما يعتبر من الحقوق العظيمة على الأبناء..

تبقى صفة الخلود والبقاء يا صديقتي خاصة برب العالمين فقط كما قال في محكم آياته: ((كل من عليها فان ۝ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)) مما يعني أن حقيقة الخلود الأبدي هي فكرة يستحيل حدوثها، وأما عن الموت فهو الحقيقة الثابتة، فكلنا سائرون في هذا الدرب، ولكن الاختلاف يكمن في التوقيت، فالموت كأس يشربه الجميع، هذا الكأس الذي يلف بنفسه على الخلق وليس الخلق من تذهب له مختارة، أما بالنسبه للوجود فهو باق وخالد

ستستمر فيه الحياة يعيش أناس ثم يرحلون عنه، ليحل محلهم أناس آخرون، أعمارنا قصيرة، لا نلبث أن نطلق أولى صرخاتنا في الحياة حتى نشب سريعا إلى أن تداهمنا مرحلة الشيخوخة بعد الرشد ومنها إلى العجز ثم الفناء، وخلال عمرنا القصير هذا يكون محظوظا جدا من جعل ذكره خالدا إلى الأبد...

قد تتساءل عزيزي القارئ هل من الممكن أن أكون خالدا إلى الأبد..؟؟

نعم من الممكن أن يبقى الفرد خالدا حتى بعد مفارقته الحياة، ويتحدد مدى هذا الخلود في كمية ما يضيفه للكل، وللإنسانيه من كلمات طيبة، وأخلاق كريمة، وأعمال ساهمت في نفع الإنسانية، ومواقف نبيلة مع كل من يعرف، لأن الإنسانية كما ذكرنا مستمرة وباقية.. أما الفرد فميت..

ومضة:

لن نكون خالدين ونحن لم نقدم ما يستحق الخلود فعلا.

:@al_muzahem