تركزت جهود علم النفس منذ منتصف القرن الماضي في موضوع واحد، هو المرض النفسي، وقد تحققت فيه العديد من الإنجازات العالية في علاج الاكتئاب والانفصام والإدمان والعديد من الأمراض العقلية، التي أصبحنا نعرف الكثير عن تطور هذه المشكلات عبر الحياة وعن أصولها الجينية، وخواصها الكيماوية الحيوية وأسبابها النفسية، ولكن هذا التقدم الكبير في علاج الاضطرابات النفسية والانشغال بالحالات المرضية التي تفسد الحياة، كان على حساب الاهتمام بدراسة الآليات التي تطور معاني الحياة للأجمل، فالناس في حاجة لما هو أكثر من مجرد تصحيح ما لديهم من نقاط ضعف، فهم يريدون حياة ذات معنى، ولا يريدون أن تضيع حياتهم وهم يحاربون ضعفهم، فما يؤرق معظمنا ويدعونا للبحث والتفكير هو في أن ننطلق بحياتنا من تحقيق إيجابيات محدودة إلى الانفتاح على إيجابيات أكبر، كأن تتفكر صباحا بأن لديك نقطتين إيجابيتين في ممارستك الصحية، فكيف تخطط هذا الأسبوع لزيادتهما لخمس نقاط؟، أو أن تتساءل في وقت آخر «كيف أطور من بعض نقائص شخصيتي لأتمكن من التصرف بشكل أكثر ثقة؟»، فمثل هذه التساؤلات لا تعني علم النفس الإكلينيكي ولا تهتم بالتركيز عليها، أو بتحقيق اهتماماتك التطويرية، وهذا ما جعل لانطلاقة علم النفس الإيجابي positive phycology صدى كبير في الأوساط الأكاديمية والاجتماعية، وفي مجال التنمية البشرية، فهو يسعى لفهم الانفعالات الإيجابية، وبناء جوانب القوة والفضيلة، ويحرص في مسعاه على توكيد السعادة كحق إنساني، وبإمكانية كل فرد لاكتساب هذا الحق بالسعي والوعي والتدبر، ورغم أن كتب تحسين الحياة وتنمية الذات تنتشر بشكل سخي جدا على رفوف المكتبات في كل مكان، إلا أن الدلائل العلمية تشير إلى أن تغيير الإنسان لمستوى سعادته ليس بالأمر اليسير والمعالجات الشكلية السطحية، فالإنسان الحزين لن يتحول لشخص سعيد وبشكل مباشر من جرعة تحفيز أو جرعتين، بل بعد اكتشاف نماذج وأنماط من التفكير والقناعات التي تحتاج في تعديلها إلى تدخل حكيم بآليات علم النفس الإيجابي، يدرب الفرد على زيادة خبرات الانفعالات الإيجابية لديه مما يساعد على تراجع الانفعالات السلبية، لأن جوانب القوة الداخلية واكتساب الفضيلة هي ترياق فعال ضد الاضطرابات السيكولوجية، والانهزام النفسي، وهي وسيلة ناجعة جدا لشحذ قوة المرء وصموده في مقاومة الصعاب، فالمختصون في علم النفس الإيجابي لا يعالجون المشكلات فقط، بل يساعدون الأشخاص على تحديد جوانب القوة والفضيلة لديهم وتعزيز الأمل بداخلهم للمضي قدما نحو تحقيق حياة ذات معنى، يتجاوز الحياة الممتعة والجيدة، فالحياة الممتعة يمكنك الحصول عليها من خلال المشرب والمأكل اللذيذ واقتناء الأشياء الباهظة، والحياة الجيدة هي استخدام مميزاتك وجوانب القوة في شخصيتك كل يوم لتحقيق الإشباع الشامل، أما الحياة ذات المعنى فمرتبطة بسمو المعنى الذي ارتبط به حياتك، واتساع الهوية التي ترسم بها نفسك، فكلما كبرت هويتك ازدادت الحياة ذات المعنى، وهنا ستشعر بازدياد مشاعر السعادة الحقيقية في حياتك.
LamaAlghalayini @
LamaAlghalayini @