د. عبدالله محمد القرني

تحدثنا في المقال السابق عن تقنية النانو وأنها تعد واحدة من أهم اكتشافات عصرنا الحديث نتيجة ما تملكه هذه المواد من خصائص فريدة ومميزة، حيث أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن المادة في هذا المستوى من المقياس المتناهي في الصغر (جزء من المليار من المتر) لها مواصفات مختلفة تماما عن نفس المادة في المستويات الكبيرة المتعارف عليها مما أدى إلى وجود تطبيقات جديدة ومميزة لهذه المواد ساهمت في وجود قفزات علمية وتكنولوجية رائعة مكنت من الاستفادة منها في تطبيقات واستخدامات تؤدي وظائف دقيقة ومعقدة في مجالات طبية وهندسية وصناعية وغيرها، وسوف نستعرض في هذا المقال بعض هذه التطبيقات على سبيل المثال لا الحصر وأثرها في ما نعيشه من تطور تقني كبير.

ويعد المجال الطبي واحدا من أهم المجالات الذي أحدثت فيه هذه التقنية ثورة كبيرة جدا واهتماما ملحوظا لدى الباحثين كونه يلامس أحد أهم الاحتياجات البشرية على الإطلاق وأصبحت تعرف هذه التطبيقات بطب النانو. فعلى سبيل المثال، يقوم الباحثون حاليا بتطوير بعض المواد النانوية لتحمل الأدوية والإشعاعات المستخدمة في علاج الخلايا السرطانية بحث يتم توصيلها للخلية السرطانية مباشرة لعلاجها دون التأثير على الخلايا السليمة الأخرى خلاف الطرق التقليدية في العلاج التي لا تفرق بين الخلية المسرطنة والسليمة وقد تمت تجربة بعض هذه التقنيات على بعض الحالات وأدت إلى نتائج مبهرة. كما يمكن استخدام تقنية النانو في طرق الكشف والتشخيص حيث تم استخدام مواد نانوية ذات خصائص بريق محددة في عملية تصوير الأورام باستخدام أجهزة الرنين المغناطيسي لإعطاء صور أكثر وضوحا للعضو المصاب. وفي تطبيق آخر تم استخدام بعض المواد النانوية في عمليات الجراحة بحيث يتم وضعها على منطقة التلامس بين أي جزءين وتسليط الأشعة الحمراء على هذه المنطقة مما أدى إلى تلاحم كبير جدا. ولتقنية النانو تطبيقات أخرى في المجال الطبي كثيرة جدا يصعب حصرها في هذا المقال كالتعقيم وعلاج الجروح والنزيف... إلخ.

وفي المجال الهندسي فقد ساهمت تقنية النانو في تطوير العديد من التطبيقات فعلى سبيل المثال، تم تحسين خواص الخرسانة المستخدمة في أعمال البناء بمزجها مع مواد مثل السيليكا النانوية حتى أصبحت أكثر جودة ومتانة وتمتاز أيضا بأنها ذاتية الضغط ولا تحتاج إلى اهتزاز لتسويتها. وفي تطبيقات بناء الجسور والتراكيب الهندسية والميكانيكية المختلفة التي تستخدم الفولاذ في تكوينها فقد ساهم مزج مواد نانوية محددة مع الفولاذ في تحسين المواصفات الميكانيكية للمواد وقلل مقدار الإجهاد الحاصل عليه وحسن من مشاكل الانهيارات في هذه التراكيب الهندسية. كما أن استخدامات تقنية النانو لم تقف عند هذا الحد فحسب بل أيضا استخدمت في مجال فحص وتصوير المواد وساهم ذلك أيضا في تحديد وتشخيص الأعطال بدقة.

وأختم هذا المقال ببعض الأمثلة في المجال الصناعي حيث من المعلوم أن بعض أجزاء الطائرات تصنع من مواد الفايبر المقوى المسماة بالمواد المركبة (composites) وقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن مزج أنابيب الكربون النانوية أو الجرافين مع هذه المواد أدى إلى مواد أكثر متانة من حيث الخصائص الميكانيكية مع خفة الوزن وتحسين مستويات السرعة وهذه المواد نفسها هي التي تصنع منها بعض أجزاء السيارات والسفن أيضا، وفي المجال الصناعي أيضا فقد تم تصنيع بعض الأصباغ والدهانات من مواد نانوية تستخدم كعوازل للطاقة أو الحرارة ذات جودة أداء عالية أدت إلى توفير ملحوظ في استهلاك الطاقة.

ختاما فإن مجالات تطبيقات النانو كثيرة وواسعة ومهمة للبشرية وجميعها مثيرة للاهتمام ومن المتوقع أن يكون لها أثر اقتصادي كبير بالإضافة إلى أثرها التقني والصناعي لذلك نجد أن الدول أصبحت في سباق كبير للاستثمار في هذا المجال المتطور بسرعة كبيرة.

@abolubna95