أحمد الحسين

الفرس تاريخيا لم يتوطنوا شرق الخليج العربي إلا في العهود الأخيرة حينما فقد العرب استقلالهم، بفعل عدوان فارس والمؤامرات الدولية. ومعروف تاريخيا أن الفرس لم يركبوا البحر حتى في أوج عظمتهم، وإذا ما أنشأوا في الخليج العربي أسطولا كان بحارته من غير الفرس. ويرجع سبب ذلك إلى أن الساحل الشرقي للخليج العربي وهو الذي يتبع إيران حاليا، يمتد على طوله نحو ألفي كيلومتر سلسلة جبال زاغروس عالية وعرة المنافذ مما عزل سكان فارس والسلطة المركزية فيها عن حياة البحر.

هذا الفاصل الجغرافي بين الفرس والبحر هذا شكل البعد النفساني لعدم البروع فيه، بينما العرب منذ القدم لهم أوثق الصلات بالسفن والخليج العربي.

ولا بد من ذكر أن الأكاسرة وإمبراطوريتهم الساسانية ما قبل الإسلام أخضعوا بعض أطراف الخليج العربي لنفوذهم ولكنهم لم يتمكنوا من السيطرة على العرب. حيث بقي الحكم لأبناء العرب وكانت هيمنة الفرس أسمية.

ذكر هيردوتس المؤرخ الإغريقي الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد عن الإمبراطور الفارسي داريوس ما نصه، «ولقد اعترف بسلطانه جميع أقوام آسيا الذين كان قد ذللهم كورش ثم قمبيز إلا العرب، فهؤلاء لم يخضعوا البتة لسلطان فارس إنما كانوا أحلافها».

الرحاله الدنماركي نيبور في كتابه رحلات في الجزيرة العربية وبلدان أخرى في الشرق، ذكر عن ملوك الفرس قائلا: «لم يتمكنوا (الفرس) قط من أن يكونوا أسياد ساحل البحر في بلادهم الخاصة، لكنهم تحملوا صابرين على مضض أن يبقى الساحل ملكا للعرب» وفي موضع آخر من نفس الكتاب ذكر «أن الفرس لا يمكن أن يفكروا في الاستقرار على الساحل المجدب والتعرض لغزوات العرب الذين يرتادون البحار المجاورة» إلى أن يقول نيبور «وكان نادر شاه الأفشاري (وهو تركماني حكم بلاد فارس) قد رسم خطة أواخر أيامه (القرن الثامن عشر) تقضي بإلقاء هؤلاء العرب (في الساحل الشرقي للخليج العربي) ونقلهم إلى سواحل بحر قزوين وإحلال الفرس محلهم ولكن مصرعه الفاجع حال دون تنفيذ هذه الخطة وحالت الاضطرابات المستمره في بلاد فارس منذئذ دون اعتدائهم على حرية هؤلاء العرب» وختم نيبور بالقول:

«ولكن العرب لا مؤرخين عندهم يذيعون شهرتهم فيما وراء حدودهم الضيقة».

موقف العرب

كان العرب في البحرين والساحل الغربي للخليج العربي لم يقبلوا هيمنة الفرس، فقاموا أوائل القرن الرابع ميلادي بشن حملات على موانئ الساحل الشرقي للخليج مستهدفين الثغور الفارسية.

روى المؤرخ اللاتيني إميانوس مار كلينوس كما أورده كتاب جورج فاضلو حوراني «العرب والملاحة في المحيط الهندي» التالي، «أن الخليج الفارسي (متأثرا بالتسمية اليونانية) كان يعج بالملاحة وأن السفن البحرية كانت تختتم رحلاتها في تيريدون (قرية) عند مصب الفرات، ويوصف العرب المجاورون بأن لهم عدة موانئ محمية ومراسي، وأنهم قادرون على استغلال ثروات البر والبحر معا».

الخليج العربي

استمر في عهد الإمبراطورية الفارسية الساسانية مهما، ولهم نفوذ عليه إلى حين بدأ ضعف الساسانيين الذي نخرته الحروب الدامية بين فارس والروم. وهذا أدى إلى إنهاك كلتا الإمبراطوريتين. وهذا تزامن مع خروج ما لم يخطر على بالهم، ظهور العرب المسلمين الذين تمكنوا في معاركهم المتعددة من التغلب على الإمبراطوريتين وإرجاع الهلال الخصيب والخليج العربي إلى قاعدته العربية.

@alhussainahmed0