د. شلاش الضبعان

هل «الأغلبية ملزمة» دائماً، لا أعتقد فقد تكون الأغلبية على خطأ، والصواب مع الأقلية أو حتى مع شخص، مما يحرمنا قراراً صحيحاً ويوقعنا في خطأ قاتل؛ لأن الأغلبية عليه.

في تاريخنا ما يتكلم عن وضع الأغلبية، فقد ذكر إبراهيم البيهقي في كتابه (المحاسن والمساوئ): «أن الخليفة العباسي المأمون قد همّ بقرار فصرفه عنه يحيى بن أكثم بحكم أنه لن ينال رضا الأغلبية، فلما علم ثمامة بن الأشرس، قال له: يا أمير المؤمنين والعامة عندك في هذا الموضع الذي وضعها فيه يحيى، والله لو بعثت إليها إنساناً على عاتقه سوادٌ ومعه عصا لساق إليك منها عشرة آلاف! والله يا أمير المؤمنين ما رضي الله جل وعز أن سوّاها بالأنعام حتى جعلها أضل سبيلاً، فقال تبارك وتعالى: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً)، والله لقد مررت يا أمير المؤمنين منذ أيام في شارع الخلد وأنا أريد الدار، فإذا إنسان قد بسط كساءه، وألقى عليه أدوية وهو قائم ينادي: هذا الدواء للبياض في العين والغشاوة والظلمة وضعف البصر، وإن إحدى عينيه لمطموسة والأخرى مؤلَمة، وقد تألبوا عليه واحتفلوا إليه، فنزلت عن دابتي ودخلت بين تلك الجماعة، فقلت: يا هذا أرى عينيك أحوج الأعين إلى العلاج وأنت تصف هذا الدواء وتخبر أنه شفاء! فما بالك يا هذا لا تستعمله؟ قال: أنا في هذا الموضع منذ عشرين سنة ما رأيت شيخاً قط أجهل منك ولا أحمق! قلت: وكيف ذاك؟ قال: يا جاهل أتدري أين اشتكت عيني؟ قلت: لا، قال: بمصر، فأقبل عليّ الجماعة فقالت: صدق والله أنت جاهل، وهمّوا بي، فقلت: والله ما علمت أن عينه اشتكت بمصر! فتخلصت منهم بهذه الحجة».

لا أعتقد أنه من الصواب ولا النجاح الإداري أن ينساق المدير في مؤسسته، والأب في بيته، والإنسان في حياته فيلتزم بأمر لأن الأغلبية عليه بلا مراجعة ولا تفكير.

أعتقد أن رأي الأغلبية ملزم إذا كان قد صدر بعد دراسة وتمحيص للموضوع، وتمت مناقشة الخيارات المتاحة والتصويت عليها، وأيضاً إذا كان المصوتون من أهل الوعي والإدراك بالموضوع الذي تتم مناقشته.

ولذلك قبل أن نعطي رأي الأغلبية قوته، يجب أن نعتني بوعي الأغلبية في المؤسسة والبيت والمجتمع حتى يكون إجماعهم على صواب.

@shlash2020