د. نورة عبدالله الهديب

يُولَد الإنسان حاملاً معه الصفات الوراثية، التي تظهر بشكل أو بآخر، لتتشكل أثناء النمو بناء على البيئة الحاضنة لها، وأحياناً يكون سلوك الإنسان الإبداعي مبنيا على بعض الصفات الوراثية، التي نُصنِّفها تحت القدرات والمواهب الفريدة، ولسبب ما قد لا يستطيع صاحبها أن يُبدع في كيفية استخدامها أو تطويرها إذا لم تحتضنه البيئة المحيطة بالشكل المطلوب، على سبيل المثال، وليد اضطر لدراسة الطب ومزاولة مهنة أجداده بالرغم من أن ميوله وشغفه في مجال الفنون والتصاميم قد يُمكنه من تحقيق النجاح وبجدارة. ولكن ثقافة العائلة وتاريخها المهني أجبرته على استكمال سلسلة العُرف العلمي لأسرته، ولا عيب في ذلك ولكن تهميش الشغف قد يُقلل نسبة العطاء في المجال التقليدي عند البعض.

كذلك القدرة على القيادة والمهارات الإدارية التابعة لها، تكون -أحياناً- وراثية وفِي التاريخ نجد الكثير من القصص القيادية الناتجة من نسل الملوك والقادة. فالنسل القيادي المتوارث -بغض النظر عن سلبياته أو إيجابياته- يعين القائد على اختصار دروس القيادة ومناهجها. فالقيادة عِلْم تطبيقي مستوحى مما صنعه بعض القادة، الذين أحدثوا نقلات نوعية بفضل من الله أولاً ثم بفضل العلم القيادي، الذي وُلِدَ معهم.

ومن الجهة الأخرى، فإن لتطور التعليم الأثر الكبير في ترسيخ علم وفنون القيادة ليُدَرَّس في المنظومات المختلفة، حيث إن دراسة هذا العلم صَقلت الروح القيادية عند البعض من خلال اكتساب القدرات والمهارات القيادية وتطبيقها على أرض الواقع. والقائد المُبدع هو مَنْ اجتمعت فيه الروح القيادية الموروثة والمُكتسبة من المناهج والنظريات ليصنع صاحبها نظاما قياديا قويا وسليما ليعين ذاته أولاً ومجتمعه ووطنه ثانياً على الانضباط والتّقدم.

وبفضل من الله تعالى، فإن قيادة مملكتنا جمعت ما بين الروح القيادية المتوارثة والمُكتسبة. وقيادة بلادنا نجحت في احتضان القيادة بأنواعها، وهذا يُفسّر نجاح قادة بلادنا على تفعيل الانضباط قانوناً وشرعاً وتقدم نهضتها في مجالات مُتعددة. فالبيئة القيادية الحاضنة أخرجت لنا قادة ضحوا بأموالهم وأرواحهم في سبيل الحفاظ على هذه البلاد.

وأخيراً، فإن المواطن الحق هو الذي يتأمل تاريخ بلاده وصنع أمجاده، فالتأمل يعين العقل على الوعي ليحمد الإنسان ربه ويشكره على نعمة الوطن. فمراحل تأسيس بلادنا انطلقت من قائد ذي شخصية قيادية وحازمة اجتهدت في جعل الحق منهجاً قيادياً راسخاً بفضل من الله تعالى. وتاريخ بلادنا القيادي يشهده العالم، الذي جعل بلادنا وقادتها وشعبها يتميز بالعطاء الإنساني والحزم والولاء. وكل هذا انعكس على قوة وتلاحم مجتمعنا للحفاظ على إحدى نعم الله تعالى علينا في حب كل ما يتعلق بهذا الوطن.

@FofKEDL