د ب أ - واشنطن

الغرب فسر انتخاب «رئيسي» على أنه انتكاسة شديدة للمحادثات النووية

خلال الأشهر التي تلت أداء الرئيس الأمريكي جو بايدن اليمين الدستورية، وتولى منصبه في يناير الماضي، عمل هو وحكومته من أجل الوفاء بما تعهد به «بأن يجعل أمريكا، مجددا، القوة الرائدة للخير في العالم» وكذلك «إصلاح تحالفاتنا ومع العالم مرة أخرى»، وبمتابعة جهود دبلوماسية متعددة عبر الشرق المتوسط الكبير.

وقال الكاتب أحمد الشرعي في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية: بطبيعة الحال تركزت جهود بايدن وحكومته على تجديد المفاوضات مع إيران بشأن مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني. وبالنسبة إلى تلك الجبهة، كان لدى فريق السياسة الخارجية لبايدن، والذي يضم وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومدير وكالة الاستخبارات الأمريكية بيل بيرنز ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وآخرين، قناعات أساسية والكثير ليقدمونه من أجل تجديد العملية الدبلوماسية.

السلوك السيئ

وذكر بيرنز وسوليفان في مقال اشتركا في كتابته: إن الاتصال مع إيران «ليس مكافأة على السلوك السيئ»، ولكن على العكس «الدبلوماسية هي أفضل سبيل لاختبار النوايا وتحديد مساحة ما هو ممكن، وإصلاح الضرر الذي أحدثه تحركنا الأحادي على شراكاتنا الدولية والاستثمار في المزيد من الإكراه الفعال إذا وعندما يكون ذلك ضروريا لتركيز العقول في طهران وعندما يكون ذلك ضروريا».

واعتبر أحمد الشرعي عضو مجلس إدارة المجلس الأطلسي والمستشار الدولي لمركز «الدراسات الإستراتيجية والدولية» أن الأمر الذي لا يقل أهمية هو دعوة بيرنز إلى إجراء حوار أمني إقليمي بين إيران ودول المنطقة، التي تشترك في الاهتمام بتهدئة التوترات، وكما قال في 2019: «سيعتمد الكثير على أمل إيجاد العرب والإيرانيين أساسا للتعايش الإقليمي، الذي لا يعتمد على الثقة أو نهاية التنافس، ولكن على افتراض أن كلا منهما لديه مصلحة في المنافسة المستقرة»، وبالنسبة إلى الدور الأمريكي في هذا التطور فهو أنه «يجب أن تكون دوافعنا هي تعزيز الحوار بينهما والتشجيع عليه وليس تخريبه».

في الواقع، يعمل هذان الدافعان بشكل متزامن في إدارة بايدن، وهما التواصل مع طهران في محاولة لخفض التوترات بين الولايات المتحدة وأشد خصومها، والرغبة لبناء نوع من الوفاق يجمع دول المنطقة وطهران في شكل من المنافسة أقل تدميرا.. وبمعنى آخر، بينما تمضي الإدارة قدما في إعادة تشكيل خطة العمل الشاملة المشتركة، فمن المهم إشراك حلفاء أمريكا في الخليج وحمايتهم في هذه العملية.

التوازن المهم

ومع أن هذا التوازن كان مهما قبل شهر، فقد اكتسب أهمية مضاعفة اليوم، حيث هزت أحداث الأيام القليلة الماضية في أفغانستان الكثير من الأمريكيين بعمق، كما كان تأثير تلك الأحداث في حلفاء أمريكا وأصدقائها في جميع أنحاء العالم ولا يزال أقوى.

وفي الوقت نفسه، إذا كان التاريخ حكما، فإن تداعيات ما حدث في أفغانستان سيشجع طهران على اتخاذ موقف أكثر تشددا في مفاوضات فيينا، التي تواجه بالفعل حالة من الجمود وسط اتهامات متبادلة. وفي يوليو الماضي، أصر عباس عراقجي، كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، على أنه نتيجة للانتخابات الرئاسية الأخيرة في طهران، «من الواضح أنه يتعين أن تنتظر المحادثات إدارتنا الجديدة»، ودفع هذا المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إلى وصف تصريحات عراقجي بأنها «محاولة فاضحة لتحويل اللائمة عن المأزق الحالي».

ورأى الشرعي أنه وفي حين أن اتفاقا مقبولا بشكل متبادل بين إيران والولايات المتحدة يتضمن طموحات طهران النووية هو بالتأكيد هدف يجب السعي لتحقيقه، سيكون بايدن حكيما لأن يغتنم فترة الهدوء في المفاوضات لدعم الجناح العربي لأمريكا وتعزيز ثقة الحلفاء التاريخيين لواشنطن، وقد يكون من الممكن، كموقف احتياطي، التوصل إلى اتفاق مؤقت يجمد الأزمة في العلاقات الأمريكية الإيرانية، ويكون بإمكان الطرفين، بعد أن تعلما من تجربة خطة العمل الشاملة المشتركة، بناء اتفاق نووي أقوى وأكثر استدامة مع إجراء محادثات تهدف إلى نزع فتيل التوترات في المنطقة.

اقتراح ماكرون

ولكي يتم هذا، من المرجح أن تطلب طهران شكلا من أشكال الدعم الاقتصادي، سواء كان ذلك بشكل مباشر في صورة تخفيف العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة، أو بشكل غير مباشر من خلال الاتحاد الأوروبي، كما اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الماضي.

ورغم أن الكثيرين في الغرب سارعوا إلى تفسير انتخاب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على أنه انتكاسة شديدة للمحادثات النووية، فإن رئيسي يتمتع بصلاحيات للتفاوض مع الغرب أكبر من سلفه الأكثر اعتدالا.

فمن جانب، تتفق آراؤه بشكل وثيق مع المرشد الأعلى خامنئي، الذي يتخذ القرار النهائي بشأن أي اتفاق، وعلى الجانب الآخر، يحظى بثقة أكبر من جانب المعسكر المتشدد، الذي أعرب عن شكوكه إزاء المفاوضات، وفي حين أن تاريخ رئيسي المتقلب في مجال حقوق الإنسان يجعله بعيدًا عن كونه المحاور المثالي من وجهة النظر الغربية، فإن قدرته في الوقت الحالي على جذب المتشددين الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات قد تكون أكثر حسما في آفاق المفاوضات.

في الوقت نفسه، يتعين على الإيرانيين أن يخففوا من توقعاتهم، فمن غير المنطقي أن يفكروا في أن الولايات المتحدة ستمنحهم تخفيفا كبيرا للعقوبات دون الحصول على ضمانات بشأن التوصل إلى اتفاق يمدد الإطار الزمني لشروط خطة العمل الشاملة المشتركة ويعالج قضايا التحقق والصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

واختتم الشرعي تقريره، قائلا: إن إدارة بايدن أمامها مهمة لا تحسد عليها، حيث إن المخاطر كثيرة والموازنة بين القوى المتعارضة معقدة وصعبة، والمهمة لن تحظى بالتقدير، لكن بايدن وفريقه لم يتراجعا مطلقا من قبل أمام صعوبات الواجب ويجب على الجميع أن يخلص الدعاء لكي يتحقق النجاح.