عبدالعزيز المحبوب

تناولت في مقالات سابقة الحديث عن التميز المؤسسي وأهميته وخارطة الطريق إليه ودوره، خاصةً في هذه الحقبة التنموية غير المسبوقة، التي تعيشها المملكة بطموحاتها الريادية على المستويين الإقليمي والعالمي في الحقول المختلفة، والتي تنطلق مبادراتها بأيدي وعقول أبناء الوطن، وتعود روافدها في رفاه كل مَنْ هم على هذه الأرض الكريمة. واليوم نستأنف محطات الرحلة في هذا الموضوع الحيوي والمهم، لنقف عند مركز التحكم بالنسبة لجسد المنشأة، ومؤشر البوصلة، الذي يحدد اتجاهها ومستقبلها... إنها القيادة.

تتفق الكثير من نماذج التميز العالمية على أهمية القيادة كمحرك رئيس وقوة دافعة في مسيرة المنظمة، لذا نجدها تضع القيادة في مقدمة معاييرها لتؤكد بذلك أن عمليات التحسين تنطلق أولاً من رأس المنظمة لتتجه بعدها نزولاً إلى بقية أجزائها. ولو تأملنا قصص الشركات الناجحة في العالم لوجدنا أمامها قيادة آمنت والتزمت وتعهدت بالتغيير وسباق الزمن من أجل تحقيق التميز والتفوق. وعلى الضفاف الآخر، فإن الشركات التي فشلت وخرجت من السوق كان خلفها قيادات لم تدرك قواعد ومفاتيح اللعبة، ولم تحسن إدارة الحاضر لتمتلك المستقبل، حتى هوت بها شيئاً فشيئاً إلى أن اختفت وتلاشت. ومن خلال رحلتي، التي امتدت لأكثر من عشرين عاما في هذا المجال، دائماً ما انطلق عند الوقوف على أداء أي مؤسسة ما، من سؤال مفصلي أطرحه على مسؤولي التطوير: كيف هي القيادة؟ فإن كانت الإجابة مترددة أو صريحة سلبية، فعندها يدب القلق في نفسي، وتلوح العلامات في أفقي، أنني أمام مهمة شاقة مهددة بالفشل.

ولكن دعوني أطرح تساؤلاً جوهرياً: هل يحتاج القائد أن يرتدي قبعة واحدة فقط ليصل بالمنشأة إلى التميز المؤسسي!؟ بالطبع لا، ففي ظل اختلاف مجالات الأعمال ومهامها، وكذلك بيئات العمل والتحديات فيها، لا بد بين الفينة والأخرى أن يبدل بين قبعاته المتعددة ليلبس منها ما يلائم الموقف ويعبد طريق الهدف. أما عن أهمها وأبرزها فهي قبعة القيادة بالقدوة، إذ يجب أن يكون الرجل الأول هو المثال، الذي يسير على نهجه الجميع، والنموذج الذي تجسد أفعاله في الميدان ما حدث به اللسان، في التزامه بالقيم والأنظمة واللوائح، وسبقه في تطبيق خطط التحسين والبرامج. كما تحتم مضامير سباق التنافسية أن يرتدي قبعة القائد الملهم، الذي يقرأ ويرسم صورة المستقبل المشرق، ويحفز الفريق لإخراج ما لديهم من مكامن القوى والمواهب تجاه ذلك المجد. ولا شك أن العزم على إحداث نقلة نوعية شاملة في مسار المؤسسة وتوجهاتها ورؤيتها وأهدافها، وذلك سعياً للتحول من الواقع الحالي لها إلى المستقبل المتميز المأمول، يتطلب من القائد أن يُبقي قبعة القيادة التحويلية طويلاً على رأسه. وكذلك القيادة الإستراتيجية والريادية والتبادلية وغيرها من القبعات، التي تجعل القائد يتكيف دائماً مع جميع المتغيرات في المنشأة وخارجها، ويبدل في منهجياته وأساليبه من أجل التعامل والتناغم معها.

ختاماً أقول، لم تعد عبارات «لا تفتح علينا أبواب» وكذلك «خلنا على طمام المرحوم» سارية المفعول والقبول، فنحن على أعتاب نهضة تنموية شاملة أطلقت فيها المملكة للعديد من المبادرات النوعية، التي تسعى من خلالها لتحقيق المراكز الأولى العالمية، وجميع تلك الطموحات الوطنية المتدافعة تتطلب قيادات تعي يقيناً بأن التميز إيمان وقناعة في القلب، وتخطيط وبلورة في العقل، وترجمة بشغف مع السواعد في الحقل.

@azizmahb