سالم اليامي

شاعت أغان شعبية كثيرة في المملكة، وفي بعض مناطق الخليج العربي، تتحدث عن البرقع، وهو الغطاء الذي تضعه النساء تقليديا على وجوههن من قماش أسود، بطول خمسة وعشرين أو ثلاثين سنتيمترا، وبعرض لا يتجاوز العشرة، أو الخمسة عشر سنتيمترا. وبالعادة يكون في الجزء العلوي منه فتحتان تظهر منهما عينا من ترتديه، وتسمى الفتحات كما كنت اسمع في صغري بالقرضة، واحدة من تلك الأغاني لمطرب شعبي شاب في ذلك الزمان، يقول في بعض الأبيات مخاطبا من يصنعون البرقع، وسعوا قرضته، أي قرضة البرقع، ثم يعلل السبب من طلبه في البيت الثاني فيقول: ترى عيونه وسيعه، يقصد أن محبوبته ذات عينان واسعتان لذا هي تستخدم برقع بفتحات واسعة، وفنان شعبي مبدع غنى في شبابه أغنية ذاعت كثيرا يقول مطلعها: يا ظالم جمالك احذف برقعك يا ويلك من الله ضيعت الجمال.

وتبقى الأغنية الأشهر البراقع لفنان سعودي معروف، ومن كلمات شاعر معروف وهذه الأغنية لاقت رواجا منقطع النظير في منتصف سبعينيات القرن الماضي، فهي كلها تغزل، وأوصاف بمن يلبسن البرقع، وأهم ما في الأغنية مطلعها الذي يحمل جملة خبرية تقول ما معناه: لم أعتقد أن البراقع، ولابساتها سيلفتن نظري، أو يكنَّ سبباً في فتنتي. أخشى أن أطيل في ما لدي عن البراقع فيتحول المقال إلى الفن بدلاً من السياسية وما دمنا ذكرنا السياسية فحركة طالبان التي استعادت السلطة في أفغانستان أعادت إلى الواجهة المرأة ومعاملتها، وتفصيلات تتعلق بحياتها، وحقوقها، ولباسها الذي من ضمنه الحجاب الأفغاني التقليدي الذي يسمى البرقع، وهو عبارة عن قماش أزرق فاتح اللون مصمم بطريقة ليغطي كامل جسد من ترتديه بالكامل وصمم بحيث يكون في مكان الوجه فتحات صغيرة كفتحات التهوية، لا يظهر منها وجه المرأة، في الوقت الذي ترى تقريبا كل ما حولها. طالبان أكدت عبر بعض متحدثيها أن على الأفغانيات لبس الحجاب الشرعي، ورغم أن هذه العبارة فضفاضة ولا تعني شيئا محددا، إلا أنهم أعفوا النساء من ارتداء البرقع، إذن النسخة الجديدة من طالبان الحركة، والتي تتأهب لتصبح دولة، أرسلت هذه الرسالة للغرب، بشكل عام وأزعم كما أفهم ذهنية الغرب، ونظرته الغريبة للشرق وللثقافات المغايرة ما لديهم ومنها الثقافة الأفغانية، أنهم يرون هذا تقدما، أو لنقل تغيرا ملحوظا في سلوك الطالبانيين سواء أكانوا يحكمون باسم الدولة، أو بذهنية الحركة التي كانت فتية ومتوثبة قبل عقود. المرأة والبرقع والحجاب كانت مغامرة امتدت على مدى عقدين من الزمان، حاولت فيها الولايات المتحدة بسيطرتها على أفغانستان، ودعم النظام السياسي الذي كان يديرها، أي يدير البلاد الأفغانية إحداث تغيير في بنية العقل الأفغاني، أعرف جيداً كما يعرف غيري أن هذا الهدف لم يكن الهدف الرئيس لقوة عظمى تسمى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن وبثقة عالية كان ضمن حزمة الأهداف العريضة والعامة للمخطط الأمريكي، الذي يتمنى أن يرى العالم بأسره يأكل الوجبات السريعة، ويلبس الجينز، ويسمع أغاني الروك. الدول الأوربية هي الأخرى كثفت من خطابها المنحاز للنساء والتغير الذي سيطالهن في عهد الحركة التي سلمت لها مفاتيح السلطة في أفغانستان، وسجل أكثر من شخص التناقض الذي وقع فيه العالم الغربي الذي يندد بما قد يحدث من أفراد الحركة الحاكمة اليوم في أفغانستان، من أساليب ضد النساء وضد التحرر، والحقوق والنسوية بالإضافة إلى التخوف من سلوكيات أخرى أكبر وأخطر منها دعم ومساندة الإرهاب. في الوقت الذي يعلنون بطريقة مواربة مباركتهم إذا لم نقل تسليمهم السلطة في هذا البلد المنكوب لهذه الجماعة. من المعتقد أن المرأة الأفغانية ومستقبلها، وكذا لباسها سواء كان برقعا أو حجابا سيظل ورقة يساوم بها الغرب، الطالبان، وربما غيرهم.

salemalyami @