نتمتع كبشر بعدد من الحقوق والامتيازات التي يجب أن تكون متاحة لكل شخص، بعض هذه الحقوق يضمنها لنا المجتمع والأسرة والشريعة والقانون، والبعض الآخر لا بد أن نضمنها نحن لأنفسنا، فهي ضرورية وأساسية لنمو شخصياتنا، فكل فرد لديه الكثير من الحقوق التي يحتم عليه احترامه لنفسه أن يمارسها ويدافع عنها، كالحق في الاختلاف في الرأي بدون تسفيه للآخر، وأن يحترم الآخرون مشاعره وأفكاره، وأن يكون له رأيه المستقل الذي لا يتعارض مع القيم، وأن يعامل باحترام ويكون قادرا على رفض المطالب التي لا تناسبه دون أن يلحق الضرر بالآخرين أو يشعر بالذنب، وأن ينبه الآخرين بأسلوب مناسب لأخطائهم في حقه حتى لا يكرروها، وأن يتراجع عن قرار خاطئ حينما يجد الأفضل بدون إحساس بالخجل أو التأنيب، وأن يرفض الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بحياته الخاصة، وألا يتدخل الآخرون في أموره الشخصية، وحقوق أخرى كثيرة يضيق المقام في حصرها، ولكن إلى أي مدى نمارس نحن هذه الحقوق المتاحة لنا أثناء تفاعلنا مع الآخرين في شتى مناحي الحياة، وكيف ستبدو حياتنا لو مارس كل فرد هذه الحقوق وأباحها للآخرين؟، فالواقع أننا خلال مواقفنا اليومية في العمل أو التفاعل أو الدراسة نلاحظ أن البعض يعاني من صعوبات تمنعهم من ممارسة حقوقهم التي ذكرناها سابقا، وقد نكون مررنا بأحدها يوما، كصعوبة رفض طلبات الآخرين التي لا نرغب في تلبيتها، لأنها تتضمن تدخلا في خصوصياتنا أو انتهاكا لحدودنا أو تتعارض مع قيمنا، أو صعوبة في التعبير عن آرائنا أو الدفاع عن وجهة نظرنا، أو الصعوبة في الاستفسار عن المعلومات التي نحتاجها، أو صعوبة اتخاذ موقف إيجابي مخالف لباقي المجموعة، كأن نطلب من بعض الزملاء التوقف عن التحدث عن زميل آخر في غيابه، والسبب في هذه الصعوبات هو الأفكار الخاطئة التي تدور في أذهاننا وتمنعنا من الاستجابة الإيجابية المطلوبة، فقد أرحب بزيارة أحدهم في وقت راحتي خوفا من اتهامي بقلة الذوق، وقد أقرض بعضهم في العمل رغم ضغوطي حتى لا يقول بأنني بخيل، وقد أسمح لأحد أفراد فريق العمل بالاطلاع على أفكاري التطويرية الخاصة بالمشروع حتى لا يصفني بالأنانية، وقد نبرر ضعفنا في حماية حقوقنا بأن دافعنا هو الخجل، وأن الحياء شعبة من شعب الإيمان، لكنه في الواقع مبرمجات وقناعات مقيدة للتحايل على النفس والتهرب من معالجة ضعف توكيد الذات، وقد يرغب العديد في الاستمرار بهذا النمط السلوكي لأنهم يجدونه مناسبا لتجنب الصراع وتحقيق الأمن والراحة، ومعظمهم اعتاد التصرف بهذا النحو في أسرته ومدرسته ومحيطه، فالمدرسة تشجع الطفل الذي لا يتحدث في الفصل وتعتبره المثالي، والأم تصف ابنها الذي ليس له مطالب، ولا يتجادل مع إخوانه بأنه المطيع البار، ولكن ثمن هذا اللطف سيكون مرتفعا عندما يكبر هذا الطفل ويبدأ في توسيع نطاق تفاعله وتزداد احتياجاته ومطالبه، وسيتعرض للكثير من الضغوط حين ينوي كسر هذه الأنماط السلوكية والخروج منها، لأن الآخرين اعتادوا عليه بشخصيته تلك التي يطلقون عليها من أجل تجميلها بأنها شخصية غير أنانية، وسيميل الفرد المسالم غير التوكيدي لكبت انفعالاته السلبية لعدم إزعاج الآخرين وكسب رضاهم، غير أن هذه الانفعالات قد تنفلت فجأة في انفجار كبير مثل البركان، فينثر حمم غضبه على من لا دخل لهم بالأمر، مثل الموظف الذي يفرغ شحنة غضبه من العمل في زوجته وأبنائه، ويترتب على ذلك أيضا بعض الأمراض الجسدية والنفسية بسبب الانفعالات السلبية المكبوتة، مثل الصداع النصفي أو القولون العصبي أو قرحة المعدة أو ضغط الدم المرتفع أو الاكتئاب أو العديد من الأمراض الجلدية كالطفح الجلدي وتساقط الشعر، فهل تشبهك هذه الشخصية؟ وما صور المسايرة التي تمارسها مع الآخرين؟ وما هو تبريرك لذلك؟.
@LamaAlghalayini
@LamaAlghalayini