علي الفهيد

حين يولد الإنسان يدخل مدرسة الحياة الكبرى، وبعد بضع سنوات قد يدخل رياض الأطفال، ليتعلم مهارات حياتية وتعليمية تهيئه لدخول المدرسة الصغرى.

منذ اجتياح فيروس كورونا في يناير 2020 أغلقت رياض الأطفال والمدارس والمعاهد والكليات والجامعات في بلادنا خوفا من تفشي الوباء، ودار حديث ذو شجون في مجتمعنا: هل نستمر في توقف الدراسة، أو تعود حضوريا؟ وبعد إجازة تاريخية لستة شهور عادت الدراسة عن بعد عبر منصة الروضة الافتراضية لرياض الأطفال ومنصة مدرستي للتعليم العام وغيرهما، وأن التعليم من المهد إلى اللحد لا يتوقف مهما كانت صروف الزمان.

لقد كانت الدراسة عن بعد في العام المنصرم حلا وسطا بين استمرار الدراسة الحضورية أو توقفها، وتجربة ثرية للجميع لها إيجابياتها وسلبياتها. وأهم إيجابياتها تعزيز مشاركة الأسرة في تعليم أبنائها وتعاونها مع المدرسة، وأنها شريك أساسي لا غنى عنه في ذلك بعد محاولة بعض الجماعات تهميش دورها مما أدى ببعض الأسر إلى تسليم أبنائها إلى المدرسة تسليم مفتاح لتربيتهم وتعليمهم! وأهم سلبياتها عدم التواصل الاجتماعي ووجود فاقد تعليمي لا يستهان به.

لقد تأخرت وزارة التعليم في إصدار أهم قراراتها المصيرية والإستراتيجية مثل: قرار الدراسة الحضورية للمراحل المتوسطة والثانوية والجامعية، وهذا قرار كبير له تبعاته الجسيمة، وكذلك الدراسة عن بعد لرياض الأطفال والمرحلة الابتدائية استنادا على تقارير وزارة الصحة عن تفشي أو انحسار الوباء. وكذلك قرار تحويل الدراسة من نظام الفصلين إلى نظام الثلاثة فصول مع عدم تأليف كتب للنظام الجديد، مع زيادة الحصص والأسابيع الدراسية، واستحداث مواد دراسية جديدة، مثل: مادة المهارات الحياتية والأسرية ومادة المهارات الرقمية ومادة التفكير الناقد، ومادة اللغة الإنجليزية للصفوف الدنيا، وهي مواد مفيدة لا غبار عليها وقرارات ستصب لصالح التعليم. وكنت أود لو تم تأجيلها إلى العام المقبل حتى يطلع عليها المهتمون من المجتمع، وتتضح الرؤية حول جائحة كورونا إلى أين ستأخذنا.

إن حياتنا لا تستقيم بدون مدارس حضورية أو بعدية، هي حياة ثانية للإنسان بل أهم حيواته، لأنها تؤهله للمستقبل ولسوق العمل، وهي المحرك لكثير من القطاعات، وهي سوق تجاري كبير، وهي التي ترتب حياتنا نوما واستيقاظا وبدونها تعم الفوضى بيوتنا، وتساعد في إبعاد أبنائنا عن الألعاب الإلكترونية ولو لساعات معدودات بالرغم أن معظمهم يكرهونها لكنهم سيتذكرونها بالخير حين يشبون عن الطوق ويتوظفون وتدور بهم الحياة دوران الرحى حينها يتمنون لو طالت سنواتها!

إن الحياة مدرسة كبرى، مكانها الكون، وطلابها الإنسان، ومعلمها الزمان، وقائدها الرحمن خالق الأكوان، فمرحى بمدرسة الحياة الصغرى حضوريا أو عن بعد فـ «المدرسة هي المكانة لا المكان» كما قال أحد الشعراء:

في القلب مدرستي أنا

أحلى بدایاتي ھنا

ألفي وبائي والسنا

والكتب والخلان

وسأستعد الآن

حلم جدید بان

ھي لاجتھادي في بلادي نبع ضوء وأمان

*****

ھي للعلا عنوان

ھي مرتقى الإنسان

ھي نورنا وسمونا وھي المكانة لا المكان

*****

نعرفھم جیلا فجیل

لا نبتغي رد الجمیل

یكفي نرى إسھامھم

في رفعة الأوطان

****

عون لنا في التربیة

كم یسرت من أمنیة

لنرى بھا أبناءنا

بالفخر والإیمان

*****

ھي للعلا عنوان

ھي مرتقى الإنسان

ھي نورنا وسمونا وھي المكانة لا المكان