د. عبدالله الجودي

النزاهة هي البعد عن كل ما يشين الإنسان في دينه وخلقه وعمله وهي بمفهومها الضيق تتعلق بما يؤثر سلبيا على التعاملات المالية في الممارسة المهنية، ويمكن النظر للنزاهة في الممارسة الصحية بمنظور أوسع يتعلق بكل ما يؤثر سلبيا على تعاملات الممارس الصحي مع مرضاه وزملائه ومرؤسيه ورؤسائه والمجتمع بشكل عام.

فمن النزاهة في الممارسة الصحية أن يحرص الممارس الصحي على تقديم الخدمات الوقائية والتشخيصية والعلاجية والتأهيلية لكل مَنْ يحتاجها متوخيا في ذلك العدل والرحمة ودون التمييز بينهم من جهة العمر أو الجنس أو الدين أو الجنسية أو الحالة الاجتماعية. ومن النزاهة أن يكتم الممارس الصحي سر المريض، وأن يحافظ على معلوماته ولا يشاركها غيره إلا في أضيق الظروف، التي يحتاجها للتشخيص والعلاج والمتابعة أو لحمايته من الخطر أو حماية المجتمع منه، ويكون ذلك مع مَنْ يحتاجها ومن خلال القنوات الرسمية.

ومن النزاهة أن يقدم الممارس الصحي كل ما يستطيع لخدمة المرضى بأمانة ودون استغلال حاجتهم لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية غير مشروعة ودون التلاعب بهم لتحقيق مكاسب شخصية للوصول إلى وجاهة اجتماعية باذلا النصح لهم إذا رغبوا في استشارة طبيب آخر بكل موضوعية. ومن النزاهة أن يمتنع الممارس الصحي عن قبول هدايا المرضى وذويهم مقابل ما يقوم به من واجباته الوظيفية، لا سيما إذا كانت الهدايا ذات قيمة كبيرة أو لم يكن بين المريض والطبيب علاقة صداقة سابقة تسوغ التهادي، فإن اضطر إلى قبولها فعليه أن يعلم إدارة المنشأة عن ذلك.

ومن النزاهة أن يتعامل الممارس الصحي مع مندوبي شركات الأدوية بكل مهنية، وأن يعتذر عن قبول هداياهم المالية أو العينية ذات القيمة، وأن يفصح للجهة، التي يعمل بها في حال تكفلت الشركات بتكاليف سفره لحضور المؤتمرات العلمية. ومن النزاهة، أن يجري الممارس الصحي البحوث بطريقة تحقق الاشتراطات الأخلاقية فلا يكره المريض على المشاركة في البحث ولا يخدعه ويوهمه بأن البحث جزء من الإجراء العلاجي وهو ليس كذلك، ولا يغريه لينتزع منه الموافقة على المشاركة بسيف الحياء، بل يكون صادقا وواضحا مع المريض ليشارك برضاه المبني على علمه. ومن النزاهة، ألا يضع اسمه على ورقة علمية لم يشارك في كتابتها أو كانت مشاركته شكلية وسواء كان ذلك بالضغط على صاحب الورقة بشكل مباشر أو غير مباشر أو بقبول تبرع صاحب الورقة بذلك له.

وعلى الممارس الصحي أن يقوم بكل ما من شأنه أن يعينه على التحلي بالنزاهة في عمله، ومن ذلك اطلاعه على الأنظمة واللوائح الوطنية مثل نظام ممارسة المهن الصحية ودليل أخلاقيات الممارس الصحي والتزامه بها، وكذلك اطلاعه على السياسات والإجراءات الداخلية والتزامه بها وسؤال مرجعه الإداري والقانوني عن كل ما يصعب عليه فهمه منها، ومعرفة عواقب مخالفته لها. ومما يعينه على التحلي بالنزاهة في عمله وجود بيئة عمل صحية تتميز بالعدل والإنصاف والشفافية والتناصح مع المراقبة والمحاسبة، بيئة يشعر فيها بالأمان على نفسه من الظلم، وبالمسؤولية إذا فرط وتعدى.

وأعظم ما يعين الممارس الصحي على النزاهة تقوى الله عز وجل واستشعار مراقبته سبحانه وتصحيح النية بالتقرب إليه عز وجل بأداء العمل على أكمل وجه ممكن، والاستجابة للتوجيه النبوي الكريم: «دع ما يريبك إلى ما يريبك».