غنية الغافري

الشهرة التي تأتي بنظام خالف تُعرف لا تحتاج لمجهود كبير، فالأعرابي الذي يأس من أن يتصدر الناس ويكون حديث مجالسهم بمجهود مصحوب بالشرف والفخر اختصر الطريق وبال في بئر زمزم! (كما جاء في رواية لابن الجوزي «وعندما وُبّخ وسُئِل عن سبب هذا الفعل القبيح» أجاب حتى يعرفني الناس)! وإذا كان هذا الأعرابي تفتق ذهنه لمثل هذه الحيلة، التي هي توقيع وعلامة تجارية لبعض مشاهيرنا! فليس بغريب أن نجد السائرين على نهجه من أذكياء هذا الزمان يحذون حذوه بأساليب وطرق مختلفة غير أن الفارق أن الأعرابي عرف (أن الله حق)! كما يقال، فاستوفى عقابه ضرباً وشتماً بينما مخالفو الدين والعادات والتقاليد من مشاهيرنا وجدوا في مخالفتهم قَبولاً وباباً فُتح على مصراعيه ومتابعين بالملايين وصدقت إحدى المشهورات الصغيرات حين سألها المذيع كيف أكون مشهورا أجابته إجابة شافية وافية مختصرة حين قالت (ارقص)!! ومن خلال متابعة عدد من المشاهير نجد أن سبب شهرتهم جملة أو مقطع خالف فيه الدين أو العادات أو التقاليد والمروءة أو ارتكب جرماً أو خالف تكوينه الفطري أو مارس السخافة والخرق وتحول لـ(أراجوز) وقد يصل بعضهم إلى ممارسة الإلحاد ليتكسب بمحتواه وإن وصل للكفر.

وإن كنا مطالبين بإماتة الباطل والسكوت عنه، فإننا ودون أن نقصد أحد أسباب إحيائه وصعوده داعمين لتلك العقول الفارغة موصلين لضجيج كان من الأجدى أن يخرس بتصعيد محتواهم وترهاتهم بينما قد لا نلتفت لما يصلنا من محتوى هادف، فهل مدرسة الأعرابي نجحت في رسالتها!

إن المكاسب، التي يحققها المشاهير والطريق السريع لها أغرت الكثيرين للسير معهم حذو القذة بالقذة! ولو وجدنا مَنْ يقوم بدراسة مسحية لعالم المشاهير، فإن الذين يحملون رسالة وهدفا ويستحقون أن يتصدروا بها منصات التواصل أقل بكثير ممن لا هدف لهم سوى وقت نهدره معهم في الإعلانات المتتالية، ومتابعة خصوصياتهم وحياتهم والاستعراض بما لديهم وجذبنا من خلال الفتائل، التي يشعلونها في كل مرة يشعرون بها بانطفاء بريقهم ودخول منافسين جدد لعالمهم، فالطلاق حاضر بقوة مع سلسلة من الأحداث والبهارات والخلافات واصطناعها أحد تلك الأساليب وغيرها عدا وصول المشهور لدرجة عالية من الكبر والنرجسية تجعله يترفع عن المتابعين والمعجبين، الذين يلاحقونه ويأملون أن يحظوا بصورة تجمعهم معه! خاصة إذا ارتفع مالياً وبدأ بمشاريع على حساب المتابعين يذكرهم بمنتجاته، التي لا يمكن العيش بدونها في كل مرة، بينما يتهافت الداعمون له، بل أصبح هو القدوة، خاصة المشهورات من النساء اللاتي تحولن لمستشارات نفسيات ومصلحات أسريات وموجهات في مجال الصحة والجمال وقصص النجاح، التي بدأت بـ(شطحة)!

ولأن (المرء على دين مقلده) خرجت لنا نسخ مكررة لبعض المشاهير التافهين والتافهات همهم في الحياة (تاتوريال الميك أب) بعلامات تجارية تُمتدح كل يوم حتى أصبح لكل فتاة غرف مليئة بمجموعات لا منتهية من المساحيق وفق التحديث المستمر من المشهور، الذي عرفت الشركات طريقه، وأصبح التركيز على الجسد هو الشغل الشاغل ولا قيمة للمال عند المتابعين بينما هو مقدس عند المشهور، الذي عقد صفقة مع كلمة (مجاناً) لا يدركها المتابع الصدوق، وأصبحنا أسرى للإعلانات ننجذب لها دون مشقة!

وإن كان بعض المشاهير دخلوا هذا العالم بتخصص يحتاجه الناس أو بطريقة (الرمية من غير رامٍ) وضربة الحظ وتوفيق الله، الذي سيق لهم بلا تخطيط أو تدبير منهم، فإننا لا نلوم مزاحمتهم، التي أتت دون سبق إصرار أو ترصد أو تمثيل لكننا ضد أعضاء (جمعية الأعرابي)!

وإذا كانوا في زمانه يقولون (بل في بئر زمزم تشتهر)، ففي زماننا نقول (اصعدي على منصة الرجال وارقصي!! تشتهري)!! و(الشاطر) مَنْ يأتي بمثل جديد في كل مرة نملأ به قاموس الابتكارات والاختراعات والمواهب!

@ghannia