د ب أ - برلين، جوهانسبرج

900 جندي والنتائج لا تزال متواضعة بمنطقة الساحل المأزومة

أثار فشل العملية العسكرية الدولية في أفغانستان جدلا في برلين حول مشاركة الجيش الألماني في مهمته العسكرية بمالي، ويتمحور الجدل حول السؤال التالي: هل تعثر الجنود الألمان في «الرمال المتحركة» بمنطقة الساحل دون صياغة أهداف قابلة للتحقيق تحت قيادة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وبدون سيناريو واضح للانسحاب؟

النتائج التي أسفرت عنها المهمة حتى الآن في منطقة الساحل المأزومة، التي ابتليت بالإرهاب وجرائم العصابات، لا تزال متواضعة، الحكومة الألمانية الجديدة، التي سيُجرى تشكيلها عقب الانتخابات البرلمانية المزمعة نهاية هذا الشهر، سيُنتظر منها إعادة توجيه السياسة الألمانية في هذا الشأن.

في البرلمان الألماني (بوندستاج) وعدت المستشارة التي أوشكت ولايتها على الانتهاء، أنجيلا ميركل، بإجراء مراجعة لكارثة أفغانستان وربط الدروس المستفادة منها بمهام أخرى يشارك فيها الجيش في الخارج.

وقالت ميركل: إنه من المنتظر أن تأتي الإجابات «بناء على طبيعة الأهداف السياسية التي يمكننا وضعها بشكل واقعي للمهام المستقبلية والحالية في الخارج».

وكانت مفوضة الجيش الألماني للشؤون البرلمانية، إيفا هوجل، أكثر تحديدا في ذلك، حيث أكدت في تصريحات لصحيفة «باساور نويه بريسه» الألمانية من أنه يجب «بالطبع» استخلاص نتائج، وذلك في إشارة إلى الأهداف والوسائل والإمكانيات، وقالت: «لا سيما في مالي، حيث علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كنا نقوم بتدريب قوات الأمن هناك على النحو الذي يؤهلها لتحمل المسؤولية في حالة الطوارئ».

وعقب انقلاب عسكري في 2012، سقط شمال مالي مؤقتا في أيدي جماعات إرهابية وأخرى متمردة.

مهمة «مينوسما»

وجاء رد فعل المجتمع الدولي متمثلا في مهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام «مينوسما»، والتي يشارك فيها حوالي 900 جندي من الجيش الألماني، والهدف من المهمة هو دعم اتفاقات وقف إطلاق النار وتدابير من شأنها بناء الثقة.

وهناك أيضا مهمة الاتحاد الأوروبي لتدريب الجيش في مالي، التي يشارك فيها نحو 300 جندي ألماني، ويتولى إدارة هذه المهمة حاليا الجيش الألماني، وتهدف المهمة إلى تدريب القوات المسلحة لمالي ودول الساحل المجاورة المنتمية لمجموعة الخمسة (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد) بغرض مكافحة الإرهاب والعصابات الإجرامية، وتقترن المهمة بجهود التعاون الإنمائي في المنطقة.

وخلف الأبواب المغلقة يشكو الساسة والعسكريون من التغيير المستمر في شركاء الاتصال والجنود الذين لا يظهرون أو يفرون خوفا من العدو، ففي 2018 توجهت إلى مالي وزيرة الدفاع آنذاك والرئيسة الحالية للمفوضية الأوروبية، أورزولا فون دير لاين، للضغط على الحكومة في باماكو، وعلاوة على ذلك نفذ الجيش في مالي انقلابين منذ ذلك الحين.

وفي شمال البلاد لا تزال المنطقة مضطربة، وتشهد باستمرار هجمات من جماعات إرهابية مرتبطة بشبكات دولية، بحسب بيانات وزارة الخارجية الألمانية، التي أوضحت أيضا أنه «في وسط مالي اشتدت النزاعات القائمة بين رعاة الغنم والمزارعين في السنوات الأخيرة، أيضا بسبب الافتقار إلى آفاق اقتصادية واجتماعية، والمنافسة على استغلال الأراضي نتيجة للنمو السكاني وتغير المناخ».

خيار الانسحاب

ببساطة لا يبدو الانسحاب خيارا، فقد أعلنت ألمانيا التزامها بالمزيد من المشاركة الدولية في المنطقة، وذلك خشية الهجرة الجماعية من هناك، وإلقاء نظرة على الخريطة وحجم المساحة من غرب أفريقيا إلى القرن الأفريقي في الشرق، حيث يشارك الجنود الألمان في مهمة الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال (أتلانتا)، كفيل بالدفع إلى العدول عن أي تصورات عن انسحاب.

وأثارت النهاية الفوضوية في أفغانستان استياء العديد من المراقبين الأفارقة، حيث حذر الخبير الأمني محمد حسن في دولة الصومال المتأزمة بشرق أفريقيا قائلا: «الآن بعد أن استولت طالبان على أفغانستان، تقوم حركة الشباب (ميليشيا إرهابية) بتقليد نفس التكتيك، حيث تُجمّع نفسها انتظارا لمغادرة القوات المسلحة الأجنبية البلاد».

وتسيطر حركة «الشباب» على أجزاء كبيرة من جنوب ووسط الصومال، واحتفت بانتصار طالبان عبر محطة الإذاعة الناطقة باسمها «الأندلس»، وجاء رد فعل الحركة متجسدا في شن مزيد من الهجمات.

ويتولى تأمين الصومال 22 ألف جندي أجنبي، معظمهم يشارك بتفويض من الاتحاد الأفريقي، والشركاء الرئيسيين في تدريب وتسليح قوات الأمن هناك هم الولايات المتحدة وتركيا.

ومثل حسن، يعتقد وزير الأمن الصومالي السابق عبدالكريم جوليد أن انسحاب هذه القوات من الصومال يمكن أن يخلق سيناريو مشابها للسيناريو في أفغانستان، وقال: «ما يحدث في أفغانستان هو جرس إنذار لجميع الصوماليين، الآن مستقبل بلدنا في خطر إذا انسحبت القوات الأجنبية».

بؤرة جديدة

ولن تتضرر من ذلك فقط مناطق القرن الأفريقي، المهدد بظهور بؤرة نزاع جديدة به عبر استمرار القتال في إقليم تيغراي الإثيوبي. فقد أطلق الاتحاد الأوروبي كرد فعل على تزايد نفوذ الإرهابيين في شمال موزمبيق عملية عسكرية في يوليو الماضي لدعم القوات الحكومية، ومن المفترض أن يقوم جنود من دول الاتحاد الأوروبي بتدريب الجيش هناك حتى يتمكن من حماية السكان بشكل أفضل في مقاطعة كابو ديلجادو المضطربة.

لكن نموذج أفغانستان يغذي الشكوك في القارة المجاورة لأوروبا، وذلك بعدما لم يُبد الجيش الأفغاني، الذي تم تدريبه وتجهيزه على مدار عقدين من الزمان، مقاومة تُذكر ضد طالبان، ولذلك يعتبر خطر توسع الهياكل الإرهابية في القارة، وبالتالي تنامي انعدام الاستقرار، كبيرا.

وإلى جانب تنظيمي «القاعدة وداعش» الإرهابيين، هناك أيضا جماعات مرتبطة بهما على نحو فضفاض، وتوسع هذه الجماعات مجال نفوذها في منطقة الساحل وكذلك في جنوب أفريقيا، وغالبا ما يتأجج الأمر برمته ليس فقط من خلال فراغ السلطة، ولكن أيضا من خلال ارتفاع معدلات البطالة، والتي ساهمت قيود جائحة كورونا في زيادتها، وتمثل الجريمة المنظمة والتهريب عبر الحدود مشكلة أيضا في منطقة الساحل الشاسعة، وبسبب الإرهاب، ارتفع عدد النازحين والمعوزين للمساعدة في دول منطقة الساحل فقط بمقدار خمسة ملايين شخص في غضون عام واحد إلى مستوى قياسي بلغ 29 مليون شخص.

وبترقب وقلق يتم متابعة إعادة تنظيم الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة، حيث تعتزم فرنسا تقليصه على المدى الطويل بمقدار ألفي جندي، ويوجد حاليا حوالي 5100 جندي في مهمة مكافحة الإرهاب «برخان»، ومن المقرر إغلاق قواعد عسكرية فرنسية في شمال مالي بحلول نهاية هذا العام.